وُلِد الروائي الإنجليزي جورج أورويل "
اسمه الحقيقي إيريك بلير" ( 1903_ 1950) في إقليم البنغال في الهند لأب
إنجليزي كان يعمل موظفًا في حكومة الهند البريطانية .
انتقل أورويل إلى إنجلترا عام 1911 ، وانتسب
إلى مدرسة داخلية في ساسكس ، ثم حصل على منحة دراسية مَكَّنته من الانتساب إلى
كلية إيتون ، وهي من أكثر المؤسسات التعليمية شُهرة في بريطانيا . وقد ظهرت في مدة
دراسته هناك ( 1917_ 1921) بوادر اهتماماته بالكتابة .
نشر كثيرًا من المقالات في مجلة الكلية ،
وتبلورَ في المدة ذاتها بعض ملامح بُنيته النفسية التي تَجَلَّت فيما بعد في
كتاباته ، إذ ظَهرت فيها بوادر التمرد وغرابة الأطوار .
اعتذرَ عن قبول منحة تُمَكِّنه مِن استكمال
دراسته الجامعية ، وقرَّر السفر إلى بورما عام 1922 ، والانخراط في سلك الشرطة
الإنجليزية _ الهندية .
كانت تجربته في بورما مُنْعَطَفًا مُهِمًّا
في حياته، إذ بدأ بعد مدة وجيزة من وجوده هناك يتعاطف مع الأهالي، وأبى أن يكون
أداة في يد السُّلطة الاستعمارية، وما لبث أن عبَّر عن رفضه سلوك تلك السُّلطة
باستقالته من وظيفته في نهاية عام 1927.
عاد إلى إنجلترا يحمل عَداءً للقوى
الإمبريالية ، ورفضًا لأسلوب الحياة البرجوازية، وبدأ يصف نفسه آنذاك بالفوضوي .
ومع بداية الثلاثينيات ، انتهجَ الاشتراكية ، وتعزَّزت لديه القناعة بأن مجتمعًا
تَسُوده المساواة هو وَحْدَه المرتع الخصب للحرية .
حاول أورويل التكفير عن شعور بالذنب ،
مَنْشَؤه الحواجز العِرقية والاجتماعية المبنية على فوقية المستعمِر التي تَحُول
دون أي اختلاط بالشعوب الواقعة تحت الاحتلال، بانتحاله شخصية متشرد وانغماسه في
حياة الفقراء والمضطهَدين من أهالي إنجلترا وفرنسا.
في عام 1936 ، سافرَ إلى إسبانيا لكتابة
المقالات والتحقيقات الصحفية حول الحرب الأهلية الدائرة هناك، وسُرعان ما شعر
بضرورة الدفاع عن الديمقراطية ، فانضمَّ إلى صفوف الجمهوريين المناهِضين للفاشية ،
وأُصِيب إصابة بالغة في حنجرته لازمته آثارها بقية حياته .
عاد أورويل من إسبانيا عام 1937، يَحمل
عداءً للفاشية والشيوعية، أمَّا ميوله الاشتراكية فقد ازدادت رسوخًا . ولَمَّا
نشبت الحرب العالمية الثانية ، التحق أورويل بالقسم الهندي في هيئة الإذاعة
البريطانية ، وكتب كثيرًا من البرامج حول الحرب والعلاقة بين السياسة والأدب .
في عام 1943، أصبح عضوًا في هيئة تحرير
صحيفة تريبيون ذات الاتجاه اليساري ، وكتب عِدَّة مقالات في زاوية تحمل عنوان
" كما أُحِب " ، وتشمل موضوعات سياسية وأدبية ونقدية . وقد تُوُفِّيَ
بمرض السُّل في لندن .
كانت
كتابات أورويل وثيقة الصلة بطبيعة حياته الشخصية وبمواقفه السياسية، وقد سعى من
خلالها إلى تحقيق تزاوج بين الحقيقة والخيال الأدبي .
شهد عام 1945 مولد روايته " مزرعة
الحيوان " ، وهي رواية هجائية تُوظِّف الخيال الجامح " الفنتازيا "
أداةً للنقد السياسي والاجتماعي. وتتَّخذ الرواية من الفكر الماركسي مُنطلقًا لها
، وتقوم على دراسة العلاقة بين الطبقة المستغِلة والطبقة المستغَلة ، وعلى حث
الأخيرة على الثورة للحصول على فائض القيمة .
اختتمَ أورويل مسيرته الكتابية عام 1949، برواية " 1984 " التي تنطوي
على رؤية مستقبلية أشبه بالنبوءة، وتُحذِّر من الآثار السلبية للدَّولة الشمولية
ذات النظام السياسي المبني على إخضاع أفرادها لدكتاتور ، ومُصادرة أفكارهم ،
وانتهاك حُرماتهم . وترسم الرواية صورة قاتمة للحال التي يمكن أن تؤول إليها
البشرية إذا ما تُرِك زِمام السُّلطة
في يد الدكتاتوريين ، وتعرَّضت الاشتراكية لعمليات تشويه .
تكمن أهمية أورويل في رؤيته الثاقبة للمشهد
السياسي والاجتماعي المعاصر، وفي مواكبته لروح عصره، واهتمامه بالقضايا العامة ،
وفي نزعته الإنسانية التي تُملي عليه ضرورة مُناصرة المضطهَدين ، والإصرار على
وجوب الارتقاء بجميع مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية ، بَدْءًا مِن بريطانيا ،
وانتهاءً بالعالَم أجمع . ويستمد إسهامُه في الحياة الأدبية قيمته مِن التزامه
وصِدقه وشعوره بالمسؤولية تجاه صُنَّاع التاريخ المعاصر . ويرى أورويل أنه لا وجود لأدب غير سياسي في العصر الحديث
الذي تزدحم فيه المخاوف وتتصارع الأضداد ، كما يؤكد العلاقة الوثيقة المتبادلة بين
مضمون العمل الروائي واللحظة التاريخية التي يُولَد فيها ، وقد هدف أورويل إلى جعل
الكتابة السياسية فَنًّا وأدبًا ، وأكَّد مِرارًا على الشروط التقنية في كتاباته،
ورأى أن إحدى مهمات الكاتب تتلخص في ضرورة شَحْذ وَعْي الجماهير لِمَا يجري خارج
دائرة حياتها الضيقة ، وفي وجوب تجريب تقنيات جديدة من أجل تحقيق هذه الغاية .
مِن أبرز رواياته:أيام بورما(1934).ابنة القِسِّيس(1935) . الخروج إلى الهواء ( 1939).
ومِن
أبرز كُتبه الوثائقية:الطريق
إلى رصيف ويجان( 1937) . الحنين إلى كاتالونيا (1938).