وُلد الكاتب الفنلندي فرانس إيميل سيلانبا ( 1888_ 1964) في بلدة هَمينكيرو ، بالقُرب من مدينة تامبِرِه ، جنوبي فنلندا ، وتُوُفِّيَ في هِلسنكي . كان والداه مُزَارِعَيْن . وعلى الرغم من الفقر المدقع الذي كانت تعيش فيه عائلته ، إلا أنه عاش طفولة سعيدة، كما تَمَكَّنت عائلته من إرساله إلى المدرسة . وفي عام 1908 ، بدأ يدرس العلوم الطبيعية في جامعة هِلسنكي ، وهذا الأمر أثَّرَ بشكل واضح على أفكاره وأحلامه وعوالم الكتابة في ذِهنه ، كما أنَّه غيَّر نظرته إلى الحياة والكَون،وجعله يَتعاطف مع الفقراء والمسحوقين والمنبوذين في المجتمع. وقد ترك الدراسة في عام 1913قبل تخرجه بسبب مشكلاته الأسرية، وتكالب الأمراض عَلَيه، وكثرة دُيونه ، وعدم استطاعته التَّكيف مع حياة المدينة . لقد كانت المدينةُ وحشًا يُطارده ، وكابوسًا يُسيطر عَلَيه ، ويَقضي على أحلامه ، ويُدمِّر مشاعره ، فقد رأى فيها وحشية النظام الاستهلاكي المادي ، حيث تَغيب الأحاسيس الدافئة بين الناس، وتبرز المصالح الشخصية، والحياة العملية الخالية من العواطف. عاد سيلانبا إلى الريف الذي نشأ فيه ، بعد اكتسابه العِلم والمعرفة ، واتِّساع آفاقه ، واطِّلاعه على مؤلفات كبار الأدباء الإسكندنافيين والعالميين الذين أثَّروا فِيه بشكل واضح ، وغيَّروا كثيرًا من أفكاره ، وساهموا في إعادة تشكيل نظام حياته . ثم تزوج ، وعمل لفترة قصيرة في دار نشر قريبة من العاصمة هِلسنكي . ساهمت حياة الريف في استعادة صحته وتوازنه النفسي ، وبدأ الكتابة عن هذه البيئة التي أحبَّها وعرفها جَيِّدًا ، وخالطَ أهلها ، وأدركَ أحزانهم وأفراحهم ، واطَّلع على أحلامهم وخَيباتهم.وفي عام 1916 صدرت له أول رواية بعنوان " الحياة والشمس ". وهي قصة حب عادية في ليالي الصيف ضمن البيئة الفنلندية ، كما أنها تبحث عن دَور الإنسان في هذا الوجود ، وعلاقته بعناصر الطبيعة ، ووظيفته المركزية في الكَون . شَكَّلت الحرب الأهلية الفنلندية ( 1918) صدمةً هائلة بالنسبة للكاتب، وحَطَّمت معنوياته ، وهشَّمت أحاسيسه ، وأفقدته الثقة بنفْسه ، وبَدَّلت نظرته إلى عناصر الوجود ، فصارَ يَعتبر الحياة الجائرة نَوعًا مِن العبث والوهم والأحلام الضائعة . وهذه الأفكار صارت المبادئ الأساسية في رواياته اللاحقة . ففي رواية " الإرث المتواضع " ( 1919) ، يموت البطل في الحرب بين الأطراف المتناحرة، معَ أنَّه واقف على الحياد، ولَم يشارك في الحرب،وليس له أية علاقة بالأطراف المتناحرة. وهذه الفلسفة تَنبع من النظرة القَدَرية للكاتب ، حيث الإنسان مَحكوم بحتمية القَدَر ، ولا يَملِك أن يُغيِّر شَيئًا في حياته ، لأنه لا يَتحكم بمساره ومصيره . فالأمرُ مَفروضٌ على الإنسان الذي ليس له ناقة ولا جَمل في حياته. وهذه النظرة التي تُكرِّس عَجْزَ الإنسان،وعدم قُدرته على رسم حياته، إنما هي نزعة تشاؤمية تُجرِّد الإنسان مِن قُدرته على التغيير. وقد جاءت هذه النَّزعةُ كردة فِعل نابعة من صدمة الحرب الأهلية بين أبناء البلد الواحد. وفي زمن الصراعات والحروب، يَفقد الكثير من الناس قيمة اليقين، وتُصبح المسلَّمات في موضع الشك والتساؤل والتشاؤم ، نتيجة القلق ، وكثرة القتل، وانهيار الحياة الإنسانية ، وانتشار الخراب ، وسقوط مُنجزات الحضارة . نشر سيلانبا الكثير من الأعمال الأدبية ، من أبرزها رواية " النوم في الشباب " ( 1931) التي تتحدث عن خادمة يتيمة مُفعمة بالحياة والحيوية ، إلا أن حياتها تنتهي بشكل مأساوي بعد إصابتها بمرض السُّل. أمَّا في روايته" طريق رَجل " ( 1932)، فقد رَكَّزَ على مراحل تطور شاب فلاح ، وأظهرَ أهمية العلاقة العُضوية بين الإنسان والطبيعة ، وبين الفلاح وأرضه . وفي عام 1934، قَدَّمَ الكاتبُ أفضلَ مؤلفاته على الإطلاق، وهي رواية "ناس ليالي الصيف"،المكتوبة بلغة وصفية وغنائية شديدة الدِّقة . وفي هذه الرواية ، تتجلى النظرة الحتمية إلى الإنسان والكون ، حيث القَدر المحتوم، والأحاسيس الدافئة ، والحياة المفعمة بالعواطف ، والشخصيات البسيطة والمعقَّدة ، وتفاصيل الحياة الصغيرة ، والقضايا الوجودية الكُبرى . وعُموماً ، يُصوِّر الكاتب في أعماله الأدبية سُكان الريف الذين يعيشون مُتَّحدين مع الأرض، رافضين التَّخلي عنها ، ويكشف عن واقعهم المأساوي ، ويُبرِز حياة البؤس التي يَعيشونها . ودائمًا، شخصياته تأتي من الطبقات المتدنية في المجتمع ، حيث تتكرَّس المعاناة الحقيقية في سبيل تَوفير لُقمة العَيش ، وينتشر الظلم والاضطهاد والحقد الاجتماعي والتفاوت الطبقي. وتُواجه الشخصيات مصيرها المحتوم بكثير من السلبية أو اللامُبالاة الهادئة، بَحثًا عن الأمل الكاذب، أو الراحة النفسية الوهمية ، أو لحظات السعادة العابرة. وفي عام 1939 ، حصل سيلانبا على جائزة نوبل للآداب " لفهمه العميق لحياة الفلاحين في بلاده ، وتصوير مشاعرهم وأحلامهم ، وطريقتهم في الحياة ، وعلاقتهم العُضوية معَ الطبيعة " ، ليكون بذلك أول كاتب فنلندي يحصل على هذه الجائزة العالمية. وفي عام 1941 ، طَلَّقَ سيلانبا زوجته ، وعانى من مشكلات صحية ناتجة عن إدمان الكحول ، لكنه عاد في عام 1943 إلى الحياة العامة ، وصارَ يُلقي أحاديث في الإذاعة ، أحدثت صدًى هائلاً بين المستمعين ، ولاقت شعبية كبيرة. مِن أبرز رواياته:الحياة والشمس ( 1916).أحب بلدي ( 1919). اعتراف (1928).النوم في الشباب(1931).طريق رَجل( 1932). ناس ليالي الصيف ( 1934).