وظيفة الطاقة الرمزية
في اللغة هي تجذيرُ الفكر الاجتماعي في الشعور الإنساني ، وتكريسُ الشعور الإنساني
في الظواهر الثقافية ، مِمَّا يَدفع باتجاه توليد أنظمة فكرية نَقْدِيَّة ، تستطيع
ضبطَ حركة التاريخ اللغوي في التحولات الاجتماعية ، واستعادةَ العناصر المعرفية
التي غابت في طَوَايا التاريخ . وهذا يعني أن مفهوم النقد في الأنظمة الفكرية يقوم
على الرابطة بين التاريخ اللغوي والتاريخ الإنساني ، ويستمدَ القُوَّةَ مِنهما ،
مِن أجل إنشاء إطار عقلاني يستوعب التَّغَيُّرَ في تفاصيل بناء المجتمع ،
والتَّغييرَ في جُزئيات تفسير المعرفة . والإشكاليةُ في هذا السِّياق تكمن في
عَجْز الأنساق الاجتماعية عن التمييز بين النَّقْد والنَّقْض بشكل عملي تطبيقي .
والقُدرةُ على التعريف اللغوي لا تستلزم بالضَّرورة القُدرةَ على التأطير الواقعي
، لأنَّ الذاتي يختلف عن الموضوعي ، والنظري يختلف عن العملي ، ووضعُ النظرية
يختلف عن تطبيقها .
2
النقد
الاجتماعي يعتمد على تحليل الأنساق المعرفية في المجتمع ، وإرجاعها إلى عناصرها الأوَّلِيَّة
، وأنويتها البدائية، لإيجاد المسارات المُتوازية والمُتقاطعة في طبيعة البناء
الاجتماعي، ثُمَّ إعادة تجميع العناصر ، وتركيب الأنوية . وهذه العمليةُ قائمة على
التخطيط القَصْدي لا العفوية التلقائية ، والهدفُ مِنها تكوين علاقة فلسفية
تناسقية بين التَّقويم ( معرفة نقاط القُوَّة وتعزيزها ومعرفة نقاط الضعف وعلاجها
) والتَّقييم ( تحديد مستويات الفكر الاجتماعي وإمكانية تحقيق أهدافه ) . والنقض الاجتماعي
يعتمد على هدم الأُسُس الفكرية في المجتمع، وإزالة القواعد المعرفية التي قام
عليها البناء الاجتماعي. والنَّقْضُ الاجتماعي ينقسم إلى قِسْمَيْن: نقض سلبي (
الهدم من أجل الهدم والتدمير العبثي ونشر الفوضى ) ونقض إيجابي ( الهدم من أجل
إعادة البناء على أُسُس سليمة وقواعد متينة ) . والنقضُ السلبي يُشبِه عملية هدم
بيت قديم مُتهالك ، وترك الأرض جَرداء بلا حياة ولا استثمار . أمَّا النقضُ
الإيجابي فيُشبِه عملية هدم بيت قديم مُتهالك، وإقامة ناطحة سحاب مكانه ، لتحقيق
مكاسب اجتماعية وفوائد اقتصادية .
3
النقض الاجتماعي
الإيجابي ( الهدم من أجل البناء ) يُعْتَبَر عمليةً خطيرة ، لأنَّه بحاجة إلى
سيطرة كاملة على عناصر المكان ، وربطها بالزمن الجديد الذي يُولَد في اللغة
والشُّعور والثقافة ، وهذا لا يتأتَّى إلا بتكوين تصوُّر منطقي للأُفُق الخيالي
والحياة الواقعية، يعتمد على الاستعارة والاستعادة ، وهذان المفهومان يُمثِّلان
مَركزًا معرفيًّا مُزْدَوَجًا ، وكائنًا اجتماعيًّا ثُنائي الخَلِيَّة ، كما أنهما
يسيران جَنْبًا إلى جَنْب في الأنظمة الفكرية وحركة التاريخ ، ويُوجَدان معًا ،
ويغيبان معًا . والعلاقةُ بينهما تكاملية قائمة على التجاذب لا التنافر ، ومعتمدة
على التَّزَامُن لا التَّعَاقُب .
4
الاستعارة
الاجتماعية هي البحث عن التوازن الشعوري الإنساني في الرموز اللغوية المُتغيِّرة
والتحوُّلات الثقافية المُستمرة . وهذه العمليةُ تُشبِه السيطرةَ على مركز قيادة
السفينة في بحر هائج مُتلاطم الأمواج ، لأن مبدأ الاستعارة يتعامل معَ الإشارات
الذهنية والاحتمالات الواقعية والتَّهيؤات النَّفْسية ، كما أنَّ العلاقات
الاجتماعية نِسبية لا مُطْلَقَة ، ولا تَملِك اليقينَ الكامل ، والثقةَ التَّامَّة
، ولا تستطيع إنتاج مُسلَّمات قطعية . فالمجتمعُ مُتغيِّر باستمرار ، ومُتحوِّل
بشكل دائم ، ولا يُمكن الحصول على الثَّبات من التغيُّر، لأن فاقد الشيء لا
يُعطيه. وكذلك الزَّمن يَدُور ويتقلَّب وينقلب على أهله، ولا يُمكن الحصول على
عناصر الاستقرار الاجتماعي مِن زمن غير مُستقر ولا ثابت . وهذا يتطلَّب كشف
الغُموض العميق في الصُّوَر الاجتماعية الظاهرية ، والتنقيب المُستمر عن التراكيب
الكامنة في أشكال البناء الاجتماعي معنويًّا وماديًّا ، والتفتيش الدائم عن الدَّلالات
المُسْتَتِرَة في تجارب الشعور الإنساني فرديًّا وجماعيًّا . وهكذا ، تتولَّد
المعاني بشكل مُتواصل ، وتنبثق مفاهيم إبداعية جديدة ، ويتكرَّس حُضور الإنسان في
عَالَمه الداخلي ومُحيطه الخارجي، لأنَّ المعنى هو الحُضور ، واللامعنى هو الغياب
. لذلك، كانت معركة الإنسان معَ نَفْسِه من أجل الانتقال من اللامعنى إلى المعنى ،
ومِن الغياب إلى الحُضور .
5