وُلدت الشاعرة
التشيلية غابرييلا ميسترال ( 1889_ 1957) في قرية فيكوينا القريبة من جبال الأنديز
. تُعتبَر أول امرأة من أمريكا اللاتينية تفوز بجائزة نوبل للآداب ( 1945 ) .
اسمها الحقيقي لوسيلا ألكاياغا ، أمَّا " غابرييلا ميسترال " فهو اسم
مستعار اتَّخذته من اسْمَي الشاعرَيْن المفضَّلَيْن لَدَيها ، وهُما الإيطالي
غابرييل دانونزيو ، والفرنسي فردريك ميسترال .
كان والداها
من أصول هندية . وكان والدها بوهيميًّا ، ومُدمنًا على الكحول . وقد تخلى عن
الأسرة عندما كانت في الثالثة من عمرها . ومعَ هذا بقيت تُحب والدها ، وتُدافع عنه
.
عاشت مكسورةً
ومُمزَّقة ، لأنها لَم تشعر بحنان الأب . وهذا الأمر جعلها تبحث عن حُب من نوع آخر
. وقد وَجدتْ قلبها معَ موظف حكومي يعمل في خطوط السكة الحديدية ، والتقت بِه ،
وتبادلا العواطف الجيَّاشة . لكنَّ حياة هذا الموظف انتهت بصورة مأساوية ، فقد
ثبتت عليه تهمة الاختلاس ، فما كان منه إلا أن أطلقَ الرصاص على نفْسه ، وقد تركت
هذه الحادثة تأثيرًا عميقًا في كتاباتها ، وشَكَّلَ انتحارُه صدمةً هائلة في
حياتها، وسيطرَ على تفكيرها، حتى إِنها حَوَّلت انتحارَه إلى أشعار بعنوان "
قصائد الموت " .
ومن
السُّخرية أن يكون انتحاره هو ميلادها الأدبي ، فقد بدأت شهرتها ككاتبة بعد فوزها
بجائزة تشيلي في الأدب عام 1914 عن مجموعتها " قصائد الموت" التي كتبتها
مِن وَحْي انتحار حبيبها. وقد شغل هذا الحدث الجميع في ذلك الحين ، لأنها المرة
الأولى التي تُمنَح هذه الجائزة لكاتبة غير معروفة في الوسط الأدبي . وما أثار
دهشة الجميع أنها لَم تحضر لاستلام الجائزة ، وقد اتَّضح السبب فيما بعد ، وهو
أنها لَم تجد في خزانة ملابسها سِوى بدلة واحدة ، لا تليق بحضور أكبر حفل أدبي
تشهده تشيلي . وهذه الحادثة المضحكة المبكية ، تُسلِّط الضوء على جزء كبير من
معاناتها ، فهي القروية الفقيرة ، التي تعبت كثيرًا لإعالة أسرتها بعد رحيل الأب .
وهي المرأة الانطوائية العاشقة التي تألمت لانتحار حبيبها . وكل هذه المشكلات في
حياتها الشخصية دفعتها إلى عدم الزواج، لكنها بَقِيَت مسكونة بهاجس الأُمومة طيلة
حياتها،وهذا يتَّضح في قصائدها وأغانيها . وفي عام 1920 ، التقت بـِ بابلو نيرودا
، وكان حينها في السادسة عشرة من عُمره ، وعرَّفته على أعمال الشعراء الأوروبيين .
وقد أثَّرَ هذا اللقاء كثيرًا في حياة بابلو نيرودا ، الذي صارَ فِيما بعد واحدًا
من أكبر شعراء القرن العشرين .
وفي عام 1922، نشرت مجموعتها الشعرية "
كآبة " ، وقد حَقَّقت شُهرةً عالمية ، وكانت مواضيعها تتحدث عن المسيحية
والموت ، وكانت قصائدها أقرب إلى تراتيل الصلاة .
عاشت في فرنسا وإيطاليا في الفترة ( 1925_
1934) ، وعملت في جمعية التعاون الفكري التابعة لِعُصبة الأمم . وقد عيَّنتها
الحكومة التشيلية سفيرة حُرَّة مُمثِّلة للثقافة الأمريكية اللاتينية . وبعد ذلك ،
عُيِّنت قنصلاً فخريًّا مُمَثِّلاً لتشيلي في البرازيل ، وإسبانيا ، والبرتغال ،
وأمريكا . وخلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت في البرازيل،جمعتها علاقة
صداقة مع الكاتب النمساوي زفايغ وزوجته اللذين انتحرا عام1942.وقد شَكَّلَ هذا
الأمر صدمةً جديدةً في حياتها. يعتمد أسلوبها الأدبي على البلاغة والتدفق والسلاسة
، وإظهار قِيمة الأُمومة بصورة شِعرية قادرة على طرد شبح الوَحدة،ومُواجهة اليأس
والفراغ.كما تُركِّز في قصائدها على حُب الأم، وعِشق الطبيعة ، ومشاعر الحزن ،
والذكريات الشخصية المؤلمة ، ومعاناة الأطفال الفقراء .
وقد اشترطت في وصيتها أن يُخصَّص جزء من ثمن
بيع كُتبها في أمريكا الجنوبية للأطفال الفقراء في مسقط رأسها ، حيث قضت أجمل أيام
طفولتها .
سيطر هاجس الموت على تفكيرها طيلة حياتها ،
وصارت تعتبر الحياة رحلة غامضة تؤدي إلى الموت،والتحرر نهائيًّا من العالَم. وقالت
ذات مَرَّة : (( فكما للجسد رُوح،كذلك هو الفنان إلى الناس)). وكانت هذه العبارة
ذات تأثير في نفوس قُرَّائها ، حتى إِنها نُقشت على قبرها بعد مماتها.
وقد تلقَّت خبر فوزها بجائزة نوبل للآداب
عام 1945أثناء وجودها في العاصمة البرازيلية ، حيث كانت تعمل قُنصلاً لبلدها.
وتزامن خبر فوزها مع نبأ انتحار ابن أخيها في سن الثامنة عشرة، والذي قامت برعايته
، واعتباره ابنًا لها . وقد صدمها هذا الخبر الأليم ، وكأنَّ مسلسل الانتحار لا
يُريد أن يُفارق عالَمها .
وقالت في خطاب استلامها للجائزة : (( إنني في هذه اللحظة ، وبضربة حظ غير مُستحقة، أُعلن أني
الصوت المباشر لشعراء عِرقي ، وأني الصوت غير المباشر للألسُن الإسبانية
والبرتغالية النبيلة. نبتهج اليوم لدعوتنا إلى مهرجان الحياة الشمالية الإسكندنافية
، ومواكبتها لقرون من الفنون الفلكلورية والشِّعر )) .