وُلِدَت
الأديبة النرويجية سيغريد أوندست ( 1882_ 1949) في الدنمارك . ولكنَّ عائلتها
انتقلت إلى النرويج عام 1924 . وفي عام 1940 هربت من النرويج إلى الولايات المتحدة ، بسبب
مُعارَضتها للنازية ، والغَزْوِ الألماني للنرويج . ولكنها عادت بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية. حَصلت على جائزة نوبل للآداب عام 1928 ، بعد النجاح الكبير
لروايتها " أولاف أودنسن " (
1925_ 1927) .
نشأتْ في مدينة ( كريستيانيا ) التي سُمِّيت فيما بعد
أوسلو، وصارت عاصمة النرويج . والدُها كان عالَم آثار ، وأمها ابنة مُحامٍ دنماركي
. وقد عاشت في مناخ عائلي يَسُوده القلق والاضطراب وغياب الإيمان ، لأنَّ
وَالِدَيْهَا كانا مِنَ الملحدين . كان لوالدها تأثير كبير عليها ، فقد وجَّهها
نحو أساطير التاريخ الإسكندنافي. وشَكَّلَ مَوْتُه وهي في الحادية عشرة من العُمر
صَدمةً كبيرةً لها، وأثَّر سلبًا على الوضع الاقتصادي للعائلة ، مِمَّا دفعها إلى
التخلي عن الأمل في التعليم الجامعي . وفي سِن السادسة عشرة ، حصلت على وظيفة
سكرتيرة في شركة هندسية لتساعد عائلتها ماديًّا . وعِندَما بلغت الخامسة والعشرين
، انضمَّت إلى اتحاد المؤلفين النرويجيين .
بَدأت الكتابةَ الروائية في مطلع شبابها، حيث إِنها كتبت
روايةً عن العصور الوُسطى للدنمارك ، ولكنَّ دُور النشر رَفَضَتْهَا ، ولَم تقتنع
بموهبتها وأسلوبها . وبعد عامين من هذه الحادثة ، كتبت روايةً أخرى ليس لها علاقة
بالعصور الوُسطى ، وإنما تصف حياةَ امرأةٍ واقعيةٍ . وقد رُفِضَتْ مِن قِبَل
الناشرين في بداية الأمر ، ثُمَّ تَحَمَّسَ لها أحد الناشرين بعد صعوباتٍ كثيرة،
فوافق على طباعتها. وهذه الرواية هي " السيدة مارتا أولي " ( 1907) ،
وكانت الجملة الافتتاحية فيها على لسان بطلة الرواية : (( كُنتُ خائنةً لِزَوْجي
)) . وهذه الجملةُ الصادمة أثارتْ زَوبعةً في المجتمع النرويجي ، وأحدثتْ فَضيحةً
هائلةً ، وحقَّقتْ شُهرةً واسعة للكاتبة وهي في الخامسة والعشرين ، وأصبحت قادرةً
على العَيش مِن كتاباتها .
انتشرت هذه الرواية بين القُرَّاء بسرعة فائقة ، ونَجحت
بشكل أسطوريٍّ ، لأنَّها كَشفت العلاقات المستورة في المجتمع ، والتي يَنبغي أن
تظل طَي الكِتمان. وفَضحت الروايةُ نِفاقَ المجتمع المتغطِّي بالفضيلة والطهارة ،
والذي يَحْصُر مَعنَى الشرف في جسد المرأة ، وأظهرتْ عواطفَ المرأةِ وحاجاتها
المعنوية والجسدية ، وأثارتْ عاصفةً مِن الأسئلة المتعلِّقة بالصراع بين الإنسان
وأشواقه الروحية، وحَذَّرَتْ مِن مَوت الأحاسيس والذكريات، وضياعِ الإنسان في
الفراغ العاطفيِّ الموحِش، وأظهرتْ تناقضاتِ النَّفْس البشرية ، وحَيرةَ الإنسان
بين المبادئ والغرائز .
وفي عام 1911 ، أصدرتْ رواية " جيني " ، وهي
بمثابة سيرة ذاتية ، حيث تَتحدَّث فِيها عن رحلتها إلى إيطاليا بعد نجاحاتها
الهائلة في عالَم الأدب ، وقصةِ الحب التي جمعتها بالرَّسام سفارستاد الذي
تَزَوَّجَتْهُ وانفصلتْ عنه فِيما بَعْد كَي تَتفرَّغ لكتاباتها وتربية أطفالها .
ثُمَّ جاءت روايتها الملحمية " كريستين "(
1920_ 1922) ، التي تقع في ثلاثة مجلدات ، وتَتحدَّث عن الحياة في الدول
الإسكندنافية في العصور الوسطى ، وتَدور أحداثها في محيط نرويجي كاثوليكي مندمج مع
المشاعر الإنسانية الشخصية . ومِنَ الواضح أنَّ هذه الرواية أثَّرت بشكل مباشر على
الحياة الشخصية للكاتبة ، إِذ إِنها قَد اعتنقت الكاثوليكية عام 1924 ، أي بعد
كتابة هذه الرواية . وهذا فاقمَ غُربتها ، لأنَّ الغالبية الساحقة من سكان النرويج
من البروتستانت .
اكْتَوَت الكاتبةُ بنار السياسة ، وقامت بالتبرع بقيمة
جائزة نوبل لدعم المجهود الحربي لفنلندا (
وهي دولة إسكندنافية ) في عام 1940 ، وذلك بعد غزو الاتحاد السوفييتي لفنلندا فيما
عُرف بحرب الشتاء . ثُمَّ أُجبرت على الهروب بعد غَزْو ألمانيا للنرويج في نفس
العام ، فهربت إلى السويد وأمريكا ، وشجَّعت من هُناك المقاومة النرويجية ضد
الاحتلال النازي. وقد انتقدها هتلر بشدة منذ عام 1930 ، وقامت النازية بحظر
مؤلفاتها . وقد قُتل ابنها البِكْر أندرس ( الملازم الثاني في الجيش النرويجي )
وهو في السابعة والعشرين في اشتباك مع القوات الألمانية .
عادت إلى النرويج بعد التحرير عام 1945 ، وتُوُفِّيَت
بعد أربع سنوات . وحَظِيَتْ بتكريم هائل . فقد سُمِّيَت فُوَّهة على سطح كوكب
الزُّهرة باسمها. وَوُضِعَتْ صورتها على العُملة النرويجية فئة 500 كرونة . وقامت
السويد بوضع صورتها على الطوابع في عام 1998 ، باعتبارها رمزًا لحرية الدُّول
الإسكندنافية .