وُلد الأديب الألماني
غونتر غراس ( 1927_ 2015 ) في مدينة دانتسيغ الحرة المعروفة حالِيًّا بـِ
"غدانسك" ، لأب بروتستانتي ألماني وأم كاثوليكية ألمانية مِن أصول
بولندية .
وكانت مدينة دانتسيغ الحرة وقتها تخضع
لإدارة دولية ضمن أراضي بولندا عملًا
باتفاقيات فرساي التي أنهت الحرب
العالمية الأولى ، لكنها ضُمَّت إلى بولندا بعد الحرب العالمية الثانية .
تلقَّى دراسته الابتدائية والثانوية في
غدانسك ، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1944 تطوَّعَ للعمل في سلاح الغوَّاصات
الألماني، ثُمَّ أُلحق بوحدات قتالية أخرى خلال الحرب
العالمية الثانية، حيث وقع في أسر القوات الأمريكية التي احتجزته في معسكر للأسرى
، ثُمَّ أطلقته عام 1946 ، أي بعد عام من انتهاء الحرب .
درسَ فن النحت في مدينة دوسلدورف الألمانية
لمدة سنتين ( 1947 _ 1948 ) ، ثم أتمَّ دراسته الجامعية في مجمع الفنون في
دوسلدورف وجامعة برلين
( 1946_ 1956) . وقد أكمل دراسته العليا في جامعة برلين للفنون لغاية عام 1956 .
عَمِلَ غراس بعد الحرب في منجم في ألمانيا الغربية ، ومُزارعًا
بعد تعذُّر عودته إلى مدينته التي باتت خاضعة للبولنديين والسوفييت ، قبل أن يُكمل
دراسته الجامعية والدراسات العليا .
عَمِلَ نَحَّاتًا ومُصَمِّمًا ومُؤلفًا،
ثُمَّ تولى خلال الفترة ( 1983 _ 1986 ) رئاسة أكاديمية برلين للفنون .
يُعَدُّ غراس _ الذي انتقد سياسات إسرائيل
النووية وبيعها غواصات ألمانية الصُّنع _ أحد أهم الأدباء الألمان . وقد نالت
روايته "الطبل الصفيح" شُهرة عالمية كبيرة بعد نشرها عام 1959، وتُرْجِم
هذا العمل الأدبي إلى لغات عالمية كثيرة من بينها العربية. وهذه الرواية هي جزء من
ثلاثيته المعروفة بـِ "ثلاثية دانتسيغ" وتضم أيضًا روايتي "القط
والفأر" (1961) و"سنوات الكلاب" (1963). ومن رواياته المشهورة
أيضًا "مئويتي" (1999) ، و"مِشية السرطان" ( 2002) .
كتب مسرحيتين، أولاهما
"الطهاة الأشرار" (1956) و"الفيضان" (1957)، وأصدر أربع
مجموعات شعرية في أعوام 1956 و1960 و1967 و1971 .
عُرِفَ بمواقفه
المساندة للقضايا الإنسانية في العالَم، ونَشر في عام 2012 قصيدة تنتقد إسرائيل
وتتهمها بتهديد السِّلم العالمي، وهو ما أغضب حكومة الكيان الصهيوني ، وأثارَ
جدلاً إعلاميًّا واسعًا . وقد تعرَّضَ إلى موجة انتقادات بعد نشره لهذه القصيدة
النثرية التي تحمل عنوان " ما ينبغي أن يُقال " ، قال فيها إِنَّ إسرائيل من خلال
تحضيراتها لضرب المنشآت النووية في إيران تُمَثِّل
تهديدًا للسلام العالمي ، ولِدَرْء هذا التهديد يجب التكلم الآن ، وأنه سَئِمَ مِن
نفاق الغرب فيما يتعلق بإسرائيل
، وأهوال النازية ليست ذريعة
للصمت .
شَنَّت وسائل الإعلام الألمانية، مثل دي فيلت ودير شبيغل ،
حملة عليه تتهمه بمعاداة
السامية مُذَكِّرَةً
بأنه خدم في شبابه في قوات
إس إس ( وهي منظمة كانت تابعة إلى الحزب النازي الألماني ، أُنشِئت عام
1925، وكُلِّفت بمهمة حماية أدولف هتلر ) . وقد طرح غراس في
قصيدته أن إيران وإسرائيل كليهما يجب أن
تخضعا لرقابة دولية على أسلحتهما
النووية .
قُبَيل وفاته، أعرب غراس عن مخاوفه إزاء
انجراف العالَم إلى نوع جديد من الحرب، وقال في تصريحات لصحيفة "نويه
فيستفيليشه" الألمانية : (( نسمع في الفترة الأخيرة تحذيرات متكررة من حرب
عالمية ثالثة . أتساءل أحيانًا ما إذا لَم تكن تلك الحرب قد بدأت بالفعل بطريقة
مختلفة تمامًا عَمَّا عَهِدْناه في الحربين العالميتين الأولى والثانية )) .
وأشار عميد الأدباء الألمان إلى أن أشكالاً
جديدة من الحروب قد تطورت حاليًّا، مُضيفًا أنه يمكن عبر الإنترنت وَحْدَه عرقلة
أنظمة وإدارة حروب اقتصادية، وقال: (( هذا يحدث بالتوازي مع نزاعات حربية تقليدية
، مِثل التي نشهدها في أوكرانيا وسوريا وأماكن أخرى
)) .
حُوِّلَت رواية " الطبل الصفيح"_
التي تختصر أهم أحداث القرن العشرين من منظور أوروبي _ إلى فيلم سينمائي عام 1979
، أخرجه فولكر شلندروف ، وكوفئ الفيلم بجائزتَي أوسكار .
حصل غراس على جائزة نوبل للآداب عام 1999 لِدَوره في إثراء الأدب العالمي ، خصوصًا في ثلاثيته الشهيرة "ثلاثية دانتسيغ"، بالإضافة إلى جوائز محلية كثيرة ، مِنها : جائزة كارل فون أوسيتسكي عام 1967، وجائزة الأدب من مجمع بافاريا للعلوم والفنون عام 1994. وفي عام 2005 حصل على شهادة الدكتوراة الفخرية من جامعة برلين . تُوُفِّي في إحدى العيادات في مدينة لويبيك عن عُمر يناهز الثامنة والثمانين .