وُلِد
الشاعر الإنجليزي صمويل تيلر كولردج ( 1772_ 1834) في بلدة أوتري في مُقاطعة
ديفونشِر .
كان
مُنذ طفولته قارئًا نهمًا . التحقَ بجامعة كامبردج ، إلا أنه لَم يُتم دراسته فيها
بسبب حياته العاصفة وفكره المتوقِّد الثائر المتعاطف مع مبادئ الثورة الفرنسية .
تعرَّفَ
على الشاعر وردزورث وأخته دوروثي عام 1795، وكان ذلك مُحَرِّضًا لعبقرية
الشاعرَيْن الكبيرين ، وزارا معًا ألمانيا ، حيث بقي كولردج للدراسة في جامعة
غوتنغن ، واطَّلعَ على مؤلفات كبار الفلاسفة الألمان ، وعلى فكر التعالي ،
والإبداعية الألمانية . وهذا أثَّرَ بوضوح في فِكره وشِعره .
زار
العديد من بلدان أوروبا ، وعمل في مجالات مختلفة ، إلا أنه استقرَّ أخيرًا في
إنجلترا ، وصارعَ المرض والإدمان على الأفيون . وتُوُفِّيَ في هايغيت ، بالقرب من
لندن .
عمل كولردج على تأسيس صحف دورية عديدة ، إلا أن أيًّا
منها لَم يدم أكثر من بضعة شهور. وكان أول إنجاز أدبي له ديوان"قصائد حول
موضوعات مختلفة"( 1796 ) ، ثُمَّ " قصائد" ( 1797) ، إلا أن إنجازه
الأبقى هو الذي تَمَخَّض عن تعاونه مع وردزورث عامَي1797و1798في ديوان "
قصائد غنائية " (1798)، الذي
ضَمَّ قصيدة " البَحَّار العجوز". وتروي القصيدةُ حكاية عودة بحَّار من
رحلة طويلة حافلة بالصعوبات ، بسبب قتله طائر بغير وجه حق ، فتحل اللعنة على
سفينته ويموت جميع زملائه، ويظل البحَّار وحيدًا إلى أن يتوصل إلى التوبة ، ويكتشف
قيمة كل شيء حَي فيحصل على المغفرة والخلاص . وتُمثِّل هذه القصيدة خُلاصة الفكر
الإبداعي . ويَعتبر النُّقاد هذه القصيدة أفضل وأكمل نص خيالي إبداعي في الشِّعر
الإنجليزي .
تتميَّز قصائد كولردج بالروح الشفافة ، والرؤية
الإبداعية النافذة ، والأسلوب المتألق المبهِر. وينقل الشاعرُ القارئَ إلى عالَم
خيالي مسحور ، يقع ما بين الحلم واليقظة في شِعر غنيٍّ بالقوافي الاستهلالية
والداخلية ، وبالجِناس والطِّباق .
أمَّا في مجال
النقد ، فقد كتب " السيرة الأدبية " ( 1817) ، التي ضمَّنها خُلاصة
فِكره حول الشِّعر ، والخيال والمخيِّلة ، وأثرهما في العمل الإبداعي . كما
تحدَّثَ عن ضرورة إيقاظ العقل من "
سُبات الاعتياد "، ورؤية الكون بمنظار مُتحرِّر من هذا الاعتياد القاتل
للإبداع .
كان كولردج مأخوذًا بالمسرح، فكتب في عام 1797مسرحية "
أوسوريو " ، إلا أنه تَمَّ رفضها ،
فأعاد كتابتها، وقُدِّمت على مسرح دروري لين ، تحت عنوان " تأنيب الضمير
" عام 1813 ، فَحَقَّقت نجاحًا لابأس به .
وكان أيضًا أبرز نُقاد شكسبير ، على الرغم من بعض المآخذ
عليه في ذلك . ويُعتبَر كولردج من المؤسسين للنقد الشكسبيري في القرن التاسع عشر ،
خاصةً فيما يتعلق بتحليله الشخصيات الرئيسية .
يحتل كولردج مكانة رفيعة في تاريخ الأدب والنقد الإنجليزي ، من حيث رؤيته الإبداع " كُلاًّ عُضْوِيًّا " ، ورؤيته الخاصة في الأجناس الأدبية القائمة على خلق التوازن بين العام والخاص ، وعلى التوفيق بين الأضداد ، وعلى دور الخيال الرئيسي في كل ذلك .