وُلد المفكر وطبيب الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد
( 1856 _ 1939 ) في بلدة فرايبرغ الواقعة في تشيكيا حاليًّا . وكانت حينذاك تابعة
للإمبراطورية النمساوية، وتُوُفِّيَ في لندن .
وهو سليل عائلة يهودية برجوازية . وقد كان والده تاجر أصواف . أمَّا والدته فكانت ذات
تربية يهودية تقليدية، فلقّنت بِكْرها أصول اليهودية وشعائرها ، في حين كانت
مربيته تشيكية كاثوليكية ناطقة بالألمانية تأخذه معها دائمًا إلى القُدَّاسات
الكَنَسية. وقد انعكست هذه الازدواجية في أُولى دراساته حول الدِّين التي نشرها
عام 1907 بعنوان " سلوكيات قسرية وممارسات دينية " .
كان فرويد في الرابعة من عمره حينما اضْطُرت عائلته، بسبب مضايقات دينية وتجارية، إلى الهجرة إلى مدينة لايبزيغ في ألمانيا ، ثم إلى العودة بعد مُدة قصيرة إلى فيينا عاصمة الإمبراطورية، حيث عانى وعائلته من المضايقات الدينية، لدرجة أنه فَقَدَ احترامه لوالده نتيجة خضوعه لاضطهاد " الغالبية الْمُضَلَّلَة " . وعلى الرغم من ذلك كان فرويد دائمًا الأول في صفوفه الدراسية، فدخل الجامعة وهو في السابعة عشرة ليدرس الطب. وقد أُعْجِب بنظرية داروين في " النشوء والارتقاء " وجعلها مبدأه العام في تفسير الظواهر الحياتية ، وتتلمذ مُدة ست سنوات على يد العالِم إرنست بروكِّه القائل إنه لا يوجد في الجهاز العُضوي من عمليات قابلة للتفسير سوى الكيمياوية والفيزيائية، فطبَّق فرويد هذا المبدأ على العمليات النفسية كافة . حصل عام 1881 على درجة الدكتوراة في الطب، لكنه لَم يكن قادرًا ماديًّا على افتتاح عيادة خاصة ، فتابع العمل في الجامعة في قسم التجارب والتحاليل المخبرية، لكن المردود كان ضعيفًا،فقبل نصيحة بروكِّه ووساطته للعمل في قسم الأمراض العصبية في مستشفى خاص في فيينا، كما حصل على فرصة التقدم للدكتوراة الثانية التي أهَّلته للتدريس في الجامعة، وكان موضوع الأطروحة في ميدان أسباب وعوارض الأمراض العصبية. وافتتح عيادته التخصصية العصبية، وطَرَد مُربيته التي حَمَّلها مسؤولية بعض اضطراباته العصبية،وتزوَّج من اليهودية مارتا بِرنايز التي التقاها قبل أربع سنوات ، وكتب لها 900 رسالة، موافقًا على عَقْد قِران يهودي رسمي ، ولكن من دون الشعائر التقليدية المرافقة . وكانت زيجة ناجحة بثلاثة أبناء وثلاث بنات . عالج فرويد بعض المرضى في تلك المرحلة بالكوكايين، وحينما ثبت إخفاق العلاج فَقَدَ فرويد فرصة الحصول على منصب أستاذ بكرسي في الجامعة . فقدَّم له أستاذه بروكِّه منحة إلى باريس مدة خمسة شهور للتدرب على طريقة طبيب الأعصاب الفرنسي جان شاركو في معالجة حالات الهستيريا بالتنويم المغناطيسي . وعند عودته إلى فيينا لَم تلقَ هذه الطريقة قبولاً في الأوساط الطبية، لكنه استخدمها مع مرضاه مُطَوِّرًا إياها نحو طريقة التداعي الحر ، حتى توصل إلى صياغة " نظرية الكبت " ، ثم طريقة التطهير ( 1889_ 1891 ) وهي أساس التحليل النفسي . وقد استمر فرويد بالعمل في عيادته، وبنشر مقالاته وكتبه، وفي الجامعة حيث مُنح في عام 1902 مرتبة أستاذ فوق العادة ضَمِنت له راتبًا تقاعديًّا معقولاً . ومنذ عام 1908 صار مساعده الأول الطبيب النفسي السويسري كارل غوستاف يونغ . وفي عام 1924 أُصيب فرويد بسرطان في سقف الحلق، فأُجري له حتى وفاته أكثر من ثلاثين عملاً جراحيًّا من دون جدوى.وعندما احتل النازيون النمسا عام 1938 أقنعه أصدقاؤه بالهروب إلى إنجلترا . وفي أيلول/سبتمبر عام 1939 أقنع فرويد طبيبه الإنجليزي الخاص بإعطائه جرعة زائدة من المورفين ، يُنهي بها حياته ، فوافقَ الطبيب . لَم ينظر فرويد إلى أفكاره على أنها نهائية وتامة ، فقد استمر طوال حياته يُعدِّل فيها، ومع ذلك وُجِّهَت انتقادات إلى نظريته مِن أهمها : 1_ تركيزه على الدافع الجنسي . 2_ عدم إعطاء وزن مناسب للتأثيرات الاجتماعية والثقافية في مفهومه للشخص . 3_ هناك كثير من المصطلحات التي أتى بها فرويد ولا يمكن التحقق منها ، مثل الهو، الليبيدو، الأنا العليا . 4_ افتقاره إلى الموضوعية والدقة والاتجاه العِلمي في الأسس التي بنى عليها أفكار التحليل النفسي ، وإن ثمة قُصورًا خطيرًا في الخطوات التجريبية التي استخدمها فرويد في إثبات صِدق فرضياته . 5_ وقوعه ، كما يرى السلوكيون، في أخطاء منطقية ولا سِيَّما في قوله إن الذكور في السنوات الأربع الأولى مِن عُمرهم يميلون إلى الأم أكثر مِن مَيلهم إلى الأب. وعلى الرغم من الأخطاء التي وقع فيها فرويد،فإن نظريته في التحليل النفسي لَم تمت،فما زال حتى اليوم بعض علماء النفس والطب النفسي يُؤيِّدون أفكاره في التحليل النفسي، وقد استخدم المؤرخون أسلوبه في التحليل النفسي في تحليل شخصيات تاريخية بارزة مثل هتلر ، ونيكسون . وفي الوقت نفْسه أيَّد العلماء السلوكيون أفكارَ الفرويدية الجديدة التي هي بمنزلة تعديل لنظريات فرويد في التحليل النفسي وتنقيحها .وعارضوا فرويد في بعض أفكاره ، أو انفصلوا عنه بسبب مُبالغته في تقدير أهمية الحياة الجنسية للإنسان ، وركَّزوا على التأثيرات الثقافية والاجتماعية، وأن الناس يَرِثُون اللاشعور الجمعي الذي يجمع ذكريات الأجداد وعلاقاتهم وخبراتهم ، وأكَّدوا النسق الاجتماعي والاختلاف الثقافي وتأثير ذلك في الشخصية الإنسانية ، وأعطوا الحرية والعدالة والحقيقة معانٍ وأهمية كبيرة في التحليل النفسي .