وُلِد الأديب
الإنجليزي صمويل جونسون (1709_ 1784) في بلدة ليتشفيلد ، شمال لندن . التحقَ بعد
إنهاء دراسته الثانوية بجامعة أكسفورد، وقضى فيها سنة واحدة ، اضْطُر بعدها إلى
تركها لفقره . وبالإضافة إلى الفقر المدقع ، عانى جونسون في صِغره مرضًا في الدم ،
سبَّب له مشكلات نفسية أدَّت إلى سَوداوية مُفرِطة ، مِمَّا انعكسَ في مُجمَل
مؤلفاته .
له إسهامات هامة في الأدب الإنجليزي .
ويُعتبَر من أشهر رجالات الأدب في إنجلترا ، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
كتب في كل الأجناس الأدبية ، وكان له مِن السُّلطة والنفوذ والمكانة ، ما جَعل تلك
المرحلة في تاريخ الأدب الإنجليزي تُدعَى " عصر جونسون " نِسبةً إليه .
تزوَّجَ إليزابيث هنري بورتر ، وهي أرملة
تكبره بعشرين سنة، وأنشأ بمساعدتها مدرسة صغيرة قُرب ليتشفيلد ، لكنه فشل في
اجتذاب عدد كافٍ من الطلاب، كما فشل في التعليم والقضاء ، فاحترفَ الكتابة ،
كَوْنها الشيء الوحيد الذي يُتقِنه . كتب جونسون كَمًّا هائلاً من الترجمات ،
وعُرِف بمراجعات بعض الكتب . كان أول كُتبه " رحلة إلى الحبشة " ( 1735)
، وهو ترجمة عن اللاتينية لقصص الرحلات التي قام بها أحد الآباء اليسوعيين البرتغاليين
إلى إثيوبيا. وكتب أيضًا مجموعة مقالات لمجلة " الجنتلمان "، أهمها
" حوارات مجلس ليليبوت الأعلى " ، سخر فيها من عبثية الحياة السياسية
والبرلمانية في إنجلترا . وكتب بعض المداخلات السياسية، مِنها " ضرائب لا
استبداد" ( 1775) ، التي اتُّهِم بأنه كتبها لِمُمالأة السُّلطة الحاكمة،
خصوصًا بعد قبوله راتبًا تقاعديًّا من الملِك جورج الثالث، مُتناسيًا قَوله
المأثور" إن الراتب أجر تدفعه الدولة لمستخدميها لقاء خيانتهم للوطن " ،
ومُتجاهلاً هجومه العنيف على سياسة تَبَنِّي الأغنياء للكُتَّاب الشباب ، الذين
يُصبح هَمُّهم الأول إرضاء أولياء نِعمتهم . وهذه الكتابات لا تَخرج عن الخط
السياسي والفكري ، الذي التزمه جونسون طوال حياته .
جَسَّدَ جونسون فلسفته بمختلف الأشكال الأدبية،
شِعْرًا، كما في أشهر قصائده" حماقة الأماني الإنسانية " ( 1749) . حيث
ينتقد فيها قدرة البشر اللامحدودة على خداع الذات والهروب من مواجهة الواقع المؤلم
. ونثرًا ، كما في رواية " قصة راسيلاس ، أمير الحبشة " ( 1759) . حيث
يكتشف الأمير الإثيوبي إخفاق كل الأنظمة الفكرية والسياسية والاجتماعية ، وعجزها
عن تحقيق السعادة الإنسانية ، فيقتنع أن جوهر الحياة الإنسانية واحد ، لا يَتغيَّر
باختلاف الزمان والمكان . وجسَّدها أيضًا في مجموعة المقالات النقدية التي نشرها
في مجلة "رامبلر" ( 1750_ 1752) ومجلة " آيدلر " ( 1758_
1760) ، التي يُجمِع النُّقاد على أنها أفضل كتابات جونسون ، مِن حيث مُلاءمة
الشكل الفني لأسلوبه الفخم والرصين ، ومِن حيث نجاحه في سَبْر أغوار النفس البشرية
، وتعرية الألم والشك الكامنَيْن في جوهر الوجود .
تنبع أهمية جونسون في تاريخ الأدب الإنجليزي
من أعماله النقدية ، التي طوَّر بها المقالة الأدبية القصيرة،ومِن نشره "
مسرحيات وليم شكسبير"(1765) معَ تحقيق مُعظم الشروحات والقراءات النقدية
المتوفرة آنذاك لأعمال شكسبير المسرحية ، وكتابة " المقدمة " الشهيرة
التي تُعتبَر فتحًا في تاريخ النقد الأدبي في إنجلترا . ويُعتبَر كتابه "
حياة الشعراء الإنجليز " ( 1779_ 1781) آخر وأهم أعمال جونسون النقدية،
ويتناول فيه إبداعات وسِيَر كبار الشعراء، ويقع في عشرة مجلدات. ويُشكِّل الكتابُ
تاريخًا أدبيًّا لتلك الفترة ، ولا تزال آراؤه مثار جدل في إنجلترا حتى يَومنا
الحالي. ويرى كثيرون في جونسون رائدًا للنقد الأدبي الحديث.
يؤكد
جونسون في مقدمته لمسرحيات شكسبير أن " مَن يُفكِّر بطريقة عقلانية ، لا
بُدَّ أن يُفكِّر بطريقة أخلاقية أيضًا " ، الأمر الذي دفعه إلى إطراء "
واقعية " شكسبير ، من حيث الحوار والشخصيات،وقُدرته على مُحاكاة الطبيعة
البشرية بدقة وأمانة ، واكتشاف جوهر الحياة الإنسانية ، وتجسيده فَنِّيًّا بأسلوب
لا يُضَاهَى . ولكنه _ من جهة أخرى _ هاجمَ شكسبير لغياب " البُعد الأخلاقي " في مُجمَل
أعماله ، إذْ غالبًا " ما يُكَافَأ المذنِب ، ويُعَاقَب البريء ، ويُضحَّى
بالفضيلة على مذبح التسلية والإمتاع " . وبهذا كان آخر مَن تجرَّأ على نقد
شكسبير .
ومِن
الأعمال التي صنعت مكانة جونسون الأدبية:"معجم اللغة الإنجليزية"(1746_
1755) الذي يُعَدُّ أول محاولة لشرح معاني المفردات ، وتبيان استخداماتها المختلفة
عن طريق الاستشهاد بمقولات كِبار الكُتَّاب والأدباء الإنجليز . وجاء هذا المعجم
لِيُحدِّد المعايير اللغوية والثقافية التي تضمن للإنجليزية بقاءها وتطورها
وحمايتها من هيمنة اللغة الفرنسية .
تمتاز
كتابات جونسون النقدية بمسحة شخصية آسرة ، وقوة ملاحظة هائلة ، ودقة تعبير ، وتدفق
للمشاعر والأحاسيس. وهذه العوامل أكسبتها قيمة فنية خالدة ، بغض النظر عن المعيار النقدي
الذاتي ، والجائر أحيانًا.