وُلد الأديب الألماني غِرهارت هاوبتمان (
1862_ 1946) في بلدة
أُوبر، وهي منتجع صحي معروف في منطقة شليزيا ، وتُوُفِّيَ في المنطقة نفْسها ( في
بولونيا حاليًّا ) . يُعتبَر مِن أهم أدباء الحركة الطبيعية في ألمانيا . وقد حصل على
جائزة نوبل للآداب في عام 1912 .
كان والده
يمتلك فندقًا ومطعمًا يُديرهما مع زوجته. وقد صار أخوه الأكبر كارل أديبًا
معروفًا. وكان هاوبتمان منذ طفولته شخصية قلقة للغاية ، وشديدة الاضطراب ، لا يعرف
الاستقرار ، ولا يُدرك الهدف من حياته ، ولا يعرف الغاية من وجوده . وهذه الفوضى
الشاملة قادته إلى ترك المدرسة قبل امتحانات الشهادة الثانوية ، وتحوَّل في عام
1878 إلى المعهد الزراعي .
وفي الفترة
( 1880 _ 1885 ) درس النحت والتاريخ
والرسم والتمثيل بشكل متقطع ، دون أن يتم أي فرع من هذه العلوم والفنون . ولَم
يحصل على أية شهادة تُؤهِّله للعمل في أي مجال. وفي ظل هذا الضياع، قام برحلة عبر
بلدان شمالي البحر الأبيض المتوسط ، من أجل كسر الروتين في حياته، وتحطيم الفوضى
التي تحيط به من كل الجوانب. واستقر بضعة أشهر في روما .
وفي عام 1885، تعرَّف في برلين على الشابة
الثرية والجميلة ماري تينمان ، فتزوَّجا واستقرَّا في مَنْزل على بحيرة إركنر خارج
برلين . وقد كان هذا الزواج هو المنعطف المصيري الذي غيَّر حياة هاوبتمان إلى
الأبد . فهذا الشَّاب الضائع في متاهة الحياة بلا بوصلة ، والغارق في القلق
والفوضى بلا هدف ، استطاع أن يجد حُبَّ حياته ، واكتشاف جدوى وجوده في شخصية زوجته
التي أحبَّها ، واعتمد على ثروتها ، من أجل التفرغ للكتابة الأدبية . وقد كانت
أموال زوجته هي حجر الزاوية في مشروعه الإبداعي . ولولا أموالها لَبَقِيَ تائهًا
ومُتَسَكِّعًا في الدروب ، ومنسيًّا في هذا العالَم .
وصل هاوبتمان إلى حالة الهدوء والصفاء
الذهني والمصالحة مع الذات ، فلم يعد يُفكِّر في تحصيل قُوت يَومه.وهذا جعله
يَتفرَّغ للكتابة، ويُركِّز على مشروعه الإبداعي الشخصي بعيدًا عن ضغوطات الحياة
المادية . فاتَّصل في عام 1888 بمجموعة أدبية من أتباع المذهب الطبيعي ، وهو مذهب
في الفن والأدب ، نشأ في فرنسا عام 1880 ، وتميَّز بالنُّزوع إلى تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية وأساليبها
على الأدب والفن ، وبخاصة النظرة الداروينية إلى الطبيعة . وقد صار هاوبتمان أبرز مُمثِّلي
المذهب الطبيعي في المسرح والرواية .
وبعد هذا
الشَّوط الطويل الذي قطعه هاوبتمان ، رجع إلى قلقه وحَيرته واضطرابه ، وسيطرت عليه
حالة انعدام الاستقرار ، إذ إنه بدَّل مَنْزله
خمس مرات ، وتنقَّل بين برلين وشليزيا وشاطئ بحر الشمال ، وسافر إلى عدد من الدول
الأوروبية عدة مرات ، كما زار الولايات المتحدة في عام 1923 في جولة محاضرات واسعة
عن الثقافة الألمانية بمناسبة مرور قرن على وفاة غوته .
لم يهتم هاوبتمان بالفكر السياسي ، لكنه كان
مُعارِضًا للنظام الملكي الفِلهِلميني ( نِسبة إلى سلالة الملك فِلهِلم المستبد )
، ومُؤيِّدًا للفكر الجمهوري . أمَّا في الفترة النازية ، فقد انسحب من الحياة
العامة ، واعتزل الناس ، ولزم بَيته ، وفضَّل عدم التصادم مع النازيين ، وقد أخذ
عليه الديمقراطيون واليساريون هذا الموقف السلبي الْمُهادِن .
كان
هاوبتمان مهتمًّا بقضايا عصره ، مثل قضية المنبوذين اجتماعيًّا واقتصاديًّا ،
والمضطهَدين في الظروف الصعبة ، والذين يحاولون جاهدين تحرير أنفسهم من القيود
الذاتية ، والقيود التي فرضها عليهم المجتمع ، ويُدافعون عن كرامتهم وحقوقهم
الإنسانية المسلوبة .
وفي مجال
المسرح ، حقَّق هاوبتمان نجاحًا عالميًّا وتأثيرًا هائلاً . وقد اعتمد على الصدق
في تصوير مشكلات الواقع وصراعاته ، والتركيز على جوهر هذه المشكلات ، مِن
دون ترهُّل في البُنية الفنية ، أو ثرثرة لغوية لا فائدة منها .
كان في مسرحياته الطبيعية ملتزمًا بالقضايا
الاجتماعية ، ومُؤمنًا بالفكر الثوري دون الارتباط بحزب سياسي أو أيديولوجية فكرية
ضيِّقة . أمَّا في مسرحياته التي تنتمي إلى الرومانسية الجديدة ، فهي ذات طابع
حكائي خُرافي، تغيب فيها الصراعات الاجتماعية ، ويختفي مبدأ إدراك القوى المحرِّكة
لها . لذلك فقد الكاتب تأثيره، وعجز عن بناء مسرحيات متماسكة فَنِّيًّا.
مِن أبرز
مسرحياته: قبل شروق الشمس(1889). المصالحة (1890).النَّسَّاجون ( 1892). مِعطَف
القُندس ( 1893) .