خيَّاط الإمبراطورة / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...........
يَنتظرُ خَيَّاطُ الإِمبراطورةِ مَوْتي/ كَي
يَأخذَ قَميصي تِذْكاراً لِحُروبِ القَبائلِ/ سَيأكلُ الهلَعُ خُدودَ الإِمَاءِ /
قَبْلَ فَضِّ أغشيةِ البَكارةِ / سِحْرٌ غَامضٌ يَسْحَبُني إلى الموْتِ / وأرْسُمُ
مِشْنقتي عَلى طَوابعِ البَريدِ / سِجْني في دَاخلي/ وَالذِّكرياتُ تَخلعُ أظافري/
وأنا أحترقُ بِقِصَصِ الْحُبِّ الفَاشلةِ/ أحترقُ في مَمالكِ الفَجْرِ الكَاذبِ
وَحيداً / وَأرى صُوَرَ الأمواتِ عَلى قَطَراتِ المطَرِ / والأعْيِرةُ النَّاريةُ
مُلْتَصِقَةٌ بالمزهرياتِ/ ولا أحَدَ يَعْرِفُ قِيمتي إلا الموْتُ/ للفَراشاتِ
أحزانُ عُيوني / وجَسَدي للدُّودِ / فماذا بَقِيَ مِنَ الرُّومانسيةِ ؟ / أغشيةُ
البَكارةِ في حُفَرِ المجاري/ وَجُثَثُ النِّساءِ في مُسْتَوْدَعَاتِ المِيناءِ/
أيها المنبوذُ السَّماويُّ
/ سَتَمُوتُ عَلى رَصيفِ المرفأ وَحيداً / أكفانُكَ هِيَ مَناديلُ الوَدَاعِ لِلْفَتَيَاتِ
الْمُحَنَّطاتِ في النَّظاراتِ السَّوْداءِ / وَلَن تَجِدَ امرأةً تَبكي عَلَيْكَ
/ أبكي في لَيالي الشِّتاءِ وَحيداً / والعَناكبُ تُزَيِّنُ جُدرانَ رِئتي / وَالطحالبُ
تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرْفتي/ فيا أيتها الغريبةُ في جُروحِ الغروبِ / إِنَّ
دَمْعَكِ يُلَمِّعُ خَنْجري/ وأنا المطرودُ مِن لَحْمي/ المنفيُّ مِن أحلامِ
الطفولةِ / وُلِدْتُ في شِتاءِ الدَّمِ/ لَكِنِّي سَأموتُ في لَيْلةٍ خَريفيةٍ
بَاردةٍ / مَاتت الأسرارُ العَاطفيةُ في قُلوبِ النِّساءِ / وَمَاتت النِّساءُ /
هَكذا تَرْحَلُ قِصَصُ الْحُبِّ مِن المطاعمِ إلى الأضرحةِ / وَلا فَرْقَ بَيْنَ
العِشْقِ وحُروبِ القَبائلِ / أشِعَّةُ القَمَرِ تُفَتِّتُ عِظامَ الموتى/ وأنا
الْجُثْمانُ العَاري/ وَمَا تَغَطَّيْتُ بِقَميصِ عُثمان / كُلما مَشَيْتُ
قُتِلْتُ / وَخَشَبةُ الْمَسْرَحِ هِيَ أخشابُ التَّوابيتِ /
أنا والدُّودُ نتقاتلُ عَلى جُثتي / ماتَ
الأطفالُ / وانكسَرَتْ قُصورُهُم الرَّمليةُ كما تنكسرُ مناديلُ الوَدَاعِ في
زَوابعِ الذاكرةِ / قَطَعَ الرَّعْدُ ضَفائرَ النِّساءِ عِندَ شَاهدِ قَبري / وتستندُ
الجثثُ الضَّوْئيةُ إِلى أشجارِ الصَّنَوبرِ / ونمشي تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ
في شِتاءِ الذُّعْرِ / كُنَّا فَلاسفةَ في تَحليلِ ضَحِكاتِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ
/ والرِّجالُ الذينَ دَافَعوا عَن شَرفِ العَنْكبوتِ / رَحَلوا إلى أعماقِ الغَسقِ
/ نَسِيَت السَّائحاتُ الشُّوكولاتةَ عِندَ المومياواتِ / وَنوافذُ الخريفِ
تُنَقِّبُ عَن الماضي الرُّومانسيِّ للرَّاهِباتِ / تتساقطُ شَظايا قَلبي كأجنحةِ
الحمَامِ الزَّاجلِ / بِلادٌ لَم تَعُدْ لَنا / هِيَ حَفْلةُ العناكبِ على
فَساتينِ الملِكاتِ / تغتسلُ جَواري القَصْرِ بِالْمَنِيِّ الملَكِيِّ / ويتقاتلُ
البَقُّ على عَرْشِ الرِّمالِ / والانقلاباتُ العَسكريةُ تتكاثرُ مِثْلَ قُمْصانِ
النَّوْمِ / وضَوْءُ القَمرِ يَجرحُ خُدودَ الصَّبايا في آخِرِ الليلِ / وأغشيةُ
البَكارةِ مُلْقاةٌ في أزِقَّةِ الطاعون / وأفخاذُ النِّساءِ الدُّمى كأفخاذِ
الدَّجاجاتِ / التي تَذهبُ إلى الصَّعْقِ الكَهْربائيِّ ضَاحكاتٍ / فَكُنْ أيها
المساءُ مَوْتاً / لِيَصيرَ جِلْدي فِرَاشَ الموْتِ/
كُلما رَأيتُ مَلَكَ
الموْتِ / انطفأت الرُّومانسيةُ في ذِكْرياتي / سَوْفَ تتزوَّجُ الراهباتُ في
حُقولِ الزَّرنيخِ / ستنكسرُ أجراسُ الكنيسةِ في ذُهولِ الشَّعيرِ /
والْمُشَرَّدُونَ يَتَزَوَّجُونَ إشاراتِ المرورِ / رُبَّما يَكُفُّ الملوكُ عَن
بَيْعِ بَناتِهِم للإقطاعِيِّين / وقَد ترفضُ أشجارُ المقبرةِ اللجوءَ السِّياسيَّ
/ والأيتامُ يَنامونَ في رِئتي / فَكَيْفَ أتنفَّسُ أخشابَ التَّوابيت ؟ / وَطَني
أجْمَلُ مَقْبرةٍ كريستاليةٍ في أوردةِ البَجَعِ / يَسيلُ المِكياجُ على خُدودِ
البُحَيْراتِ / فاسْتَعِدِّي لِصَدْمةِ الذِّكرياتِ أيتها الحضارةُ / انطفأَ العالَمُ/
وحَجَرُ الرَّحى يَتوهَّجُ / ولَن تَلْمَعَ أظافرُ النِّساءِ في طَريقِ المقبرةِ
الرِّيفيةِ / أذهبُ ولا أَعُودُ / وكلُّ القَتلى يَمشونَ بَيْنَ أصابعي / أنا
الأجسادُ القَتيلةُ والذِّكرياتُ المكسورةُ / جُثماني شَرارةُ البَرْقِ / وأحزاني
مَانعةُ صَواعِق / أيَّامي كَطُوفانِ نُوحٍ / لكني لم أجِدْ سَفينةً أرْكَبُها /
جَرحتُ أحلامَ الطفولةِ في أعراسِ البُكاءِ / وَرَمْلُ البَحْرِ يَغتصبُ
الرَّاهباتِ في سَراديبِ الدَّيْرِ البَعيدِ /
حَتَّى الإِمبراطورةُ بَاعَتْ بَناتِها لِرِجالِ
الأعمالِ / وَدَاعاً يَا مَساءَ الطهارةِ / يا أرشيفَ الثلجِ الدافئِ / سَتُصبحُ
صَائدةُ القُلوبِ فَريسةً / خُذ النِّيرانَ مِن صُدورِ النِّساءِ / سَتَشْرَبُ
الأحزانُ نَخْبَ انتصارِ حُكومةِ الرَّميمِ على الرُّفاتِ الطازَجِ / خُذوا شُموعَ
عِيدِ الفَراشاتِ / واترُكوا لِي ضَوْءاً في آخِرِ النَّفقِ / وَلا نَفَقٌ أمَامي
ولا ضَوْءٌ / قَلبي مُشَقَّقٌ كَرُخامِ الأضرحةِ / وَتابوتي مُلَوَّنٌ كَالسِّيراميكِ
الأجنبيِّ / وَأحزانُ الرِّجالِ تَلمعُ في مَمَرَّاتِ الخريفِ /
مِثْلَما تَدخلُ حِيطانُ
غُرفتي في البَيَاتِ الشَّتويِّ / تَدخلُ أصابعي في الاكتئابِ الخريفيِّ /
أُقَبِّلُ يَدَ الشَّفقِ/ لأني مَمنوعٌ مِن دُخولِ مَقبرةِ عَائلتي/ سَامِحيني يا
صَحراءَ الأظافرِ النُّحاسيةِ/ اقتليني يا آبارَ الشَّفقِ الزُّمرديةَ/ كُنتُ
أشربُ الذِّكرياتِ معَ جُثتي / وكانَ المساءُ يَشربُ دَمي معَ عَصيرِ الليمونِ/
أُرشدُ ضُبَّاطَ المخابَرَاتِ إلى مَوْقِعِ جُثتي في حُفرِ المجاري / وَذَلِكَ بِرميلُ
النِّفطِ لَعْنةً قَديمةً اغتَصَبَتْ طُفولةَ الصَّحْراءِ / تحترقُ رَائحةُ
الكاوتشوكِ في الهياكلِ العَظميةِ / ولَن يَكونَ الْمَلِكُ شَريفاً إلا إذا كانَ
لِصَّاً / أنا والثلجُ ننامُ على قِرْميدِ الأكواخِ المهجورةِ / وسُعالي يَنامُ
على المرايا المكسورةِ / تَغرقُ الضَّفادعُ في الانتخاباتِ الْمُزَوَّرةِ/ وأظافري
المضيئةُ في ليالي المجزرةِ هِيَ ذَاكرةٌ للبَجَعِ المنفيِّ /
في لَيْلةٍ خَريفيةٍ
بَاردةٍ / سَنعترفُ أمامَ مرايا الرَّمادِ ومَزهرياتِ الخريفِ / أنَّا بِعْنا
المرأةَ للذي دَفَعَ أكثرَ / كَيْفَ أهْرُبُ مِنكَ يا حُزني ؟ / صُراخُ الدِّماءِ
يَقرعُ بَوَّاباتِ الليلِ / والأرَقُ وَصِيَّةُ العُشَّاقِ قَبْلَ انتحارِ
اليَاقوتِ / خُذوا بُندقيةَ الصَّيْدِ مِن يَدِ النَّهْرِ / سَوْفَ تَموتُ
البُحيرةُ بِسَرطانِ الثَّدْيِ / لا امرأةٌ تنامُ قُرْبَ جُثتي لِتَمْسَحَ دُموعي
التي تَحْفِرُ الوِسادةَ / ولا غَيْمةٌ تُرضِعُني بَعْدَ وَفاةِ أُمِّي / حقَّاً /
إِنَّ الضَّياعَ هُوَ الشيءُ الوَحيدُ الذي لا يَضيعُ /
كانت السَّبايا يَنْشُرْنَ الغسيلَ على حَبْلِ
مِشْنقتي / وكانت الفَتَياتُ الْمُغْتَصَبَاتُ يَنْشُرْنَ الغسيلَ على حِبَالي
الصَّوْتيةِ / أرمي أحزاني في بِئرِ قَرْيتي / وأصعدُ مِن لَمعانِ عُيونِ القَتلى
/ وسَوْفَ أُدْفَنُ في القريةِ التي وُلِدْتُ فِيها / في رِئتي جَمَلٌ مَشلولٌ /
أنتحرُ تدريجياً مِثْلَ كُحْلِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ/ سَأُقْتَلُ بالبُندقيةِ
التي أحببتُها/ فَهَل سَتظلُّ المرأةُ مِمْسحةً ؟ / هَل ستظلُّ كَوْمةً مِن اللحمِ
الطازَجِ ؟ /
في ظِلالِ الموتى يَنْبُتُ
الخوْخُ وَضَوْءُ الأمطارِ / عِشْتُ تائهاً مِثْلَ الملِكاتِ السَّبايا / وعَاشَت
الرِّمالُ غريبةً مِثْلَ المكانسِ الكَهْربائيةِ / انكسَرَتْ عُروشُ الصَّدى
مِثْلَ كنائسِ القُرونِ الوُسْطَى / أنا العُرْسُ بَعْدَ مَقتلِ العريسِ / أنا
العَريسُ بَعْدَ انتحارِ العُروسِ / أنا العُرْسُ والعَريسُ والعَروسُ / لكنَّ
الْمَدْعُوِّينَ لم يَحْضُرُوا / وفِيزياءُ احتضاري فلسفةُ اغتيالي عِيدُ مِيلادي
في إسْطبلاتِ الملوكِ /
الْمَوْتُ أفضلُ حُرَّاسي
الشَّخصيين / اسْرِقُوني يا إِخْوتي / إِنَّ وَطَنَ اللصوصِ لا يُقَدِّسُ إلا
اللصوصَ / سَوْفَ يَصِلُ الموتى إلى المقبرةِ مُتَأخِّرينَ / ويَصِلُ العُشَّاقُ
إلى عَصيرِ البُرتقالِ مُتأخِّرين / وصارَ مَوْعِدُ دَفْني استراحةً لسائقي
الشَّاحناتِ / على طَريقِ قَلبي الصَّحراويِّ / فاشْكُرْ لاعبي التِّنسِ الذينَ
يُحْضِرُونَ عَشيقاتِهِم للتَّشجيعِ / في مَلاعبِ التَّطْهيرِ العِرْقِيِّ /
أدخلُ في غَابةِ
العِشْقِ الضَّوئيةِ / وأسألُ أغصانَ الرَّعْدِ / مِن أيْنَ ستأتي الطعنةُ المسمومةُ
؟ / لَسْتُ صُورةً في بِرْواز / تُعلِّقُهُ البُروقُ على حَائطِ زِنزانتي /
سَتَموتُ الكاهنةُ في هَاويةِ المرْمَرِ / ويَنمو التفاحُ في أكياسِ الجثثِ / يَا
وَطَنَ الْمُرْتَزِقَةِ فَلْتَمُتْ / ذِكرياتُ أصنامِكَ انتهتْ / وسَامِحيني يا
مَشانقَ الكَهْرمان/ لم أحْضُرْ حَفْلَ تتويجِ الإمبراطورةِ / لأني كُنتُ أُنقِّبُ
عَن دِمائي في حَنجرةِ الضَّبابِ/ نمشي على التَّوابيتِ/ وأرضُ الموتى يُغَطِّيها
المِكياجُ / خُدودُ النِّساءِ مَرفأُ البَعُوضِ / والبَقُّ يَمُصُّ حَلَماتِ
النِّساءِ/فيا أيتها الرَّاهبةُ الرَّماديةُ/ سَوْفَ يَكْسِرُ سَرَطانُ الثَّدْيِ
الصليبَ على صَدْرِكِ/
سَتَغرقُ في لَيْلةِ
الدُّخلةِ حَضَاراتُ الإعدامِ / فَمَا فَائدةُ الذهابِ إلى الكَنيسةِ يَوْمَ الأحَدِ
/ وكلُّ الراهباتِ الْمُغتَصَبَاتِ صَلَبَهُنَّ المطرُ يَوْمَ السَّبْتِ ؟ / مُلوكُ
الأرضِ صَاروا تَحْتَ الأرضِ / وحَارسُ المقبرةِ هُوَ الهِنديُّ الأحمرُ الوَحيدُ
/ الذي نَسِيَ الرَّجلُ الأبيضُ أن يَقْتُلَهُ / كُلما مَشَيْتُ في المكانِ الذي
اغتالوني فِيه/ بَكَت الأشجارُ التي سَتَصيرُ أخشاباً للنُّعوشِ/تَدخلُ طُفولةُ
المساءِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ/ وأنا أخرُجُ مِن جِلْدِ المساءِ / امرأةٌ تُزَفُّ
إلى قَاتِلِها / وعُشَّاقُها يَرْقُصُونَ في الإسطبلاتِ على ضَوْءِ الشُّموعِ/
غُربةُ القَلْبِ في زِنزانةِ الجسَدِ/ وُلِدْتُ في غُربةِ الرُّوحِ / وَمِتُّ في
غُربةِ القَلْبِ / ولا شَيْءَ يتذكَّرُ وَجهي سِوى الزَّوابعِ / فاذْكُرْني يا
مَساءَ الموتِ / نركضُ على الجثثِ / ولَن تَعْرِفَ الرِّياحُ شُعورَ الْحُسَيْنِ /
حِينَ عَلِمَ أنَّ أهْلَ الكُوفةِ خَانوه /
لَيْلةُ الدُّخلةِ هِيَ الحرْبُ التي أهْرُبُ
مِنها / والجيوشُ تَرفعُ الرَّايةَ البَيضاءَ / وتَخرجُ مِن رِئةِ النَّهارِ /
والقِطَطُ تَخرجُ مِن حَناجرِ الجنودِ القَتلى / دِماءُ الكِلابِ البُوليسيةِ على
زُجاجِ السَّياراتِ العَسكريةِ / وأجراسُ المطرِ يُعلِّقُها الخريفُ في سَقْفِ
زِنزانتي / وَطَنٌ لِكُلِّ البغايا / نزيفٌ لِكُلِّ الحواجزِ الأمنيةِ / الرَّقيقُ
الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْداءِ / وجُلودُ الإِمَاءِ ترتعشُ في قُصورِ الخليفةِ /
والذاكرةُ هِيَ الوَهْمُ الْمُعَلَّبُ / فيا أيها الوَطَنُ التَّائهُ بَيْنَ الدِّيمقراطيةِ
البَدويةِ وَصَفَّاراتِ الإنذار / سأموتُ في أحلامِ الطفولةِ / فَقُلْ : ماتَ
عَدُوُّ الملوكِ / ولم يَهْزِمْني إلا الشَّفقُ / النِّفطُ يُمَزِّقُ غِشاءَ البَكارةِ
للصَّحراءِ اليَتيمةِ / فيا كُلَّ السُّفنِ الرَّاسيةِ في جُثماني / يا كُلَّ
البَحَّارةِ الذينَ حَمَلوا مَناديلَ زَوْجاتِهِم تِذْكاراً قَبْلَ الغرقِ /
اقْتُلوا ضَوْءَ عُيونِ الفَراشةِ ثُمَّ احْتَفِلُوا بِعِيدِ مِيلادِها / ما
زِلْتُ أنتظرُ قِطارَ الموتى/ لكنَّ حَفَّاري القُبورِ مَشغولونَ بِمُغازَلةِ السَّائحاتِ
/ وأنهضُ مِن صُراخِ الليلِ / وأهتِفُ في أفلاكِ الفَراغِ / لَن يُصبحَ عِنَبُ
الجزائرِ نبيذاً فَرَنسِيَّاً / لا تترُكُوا يا إِخوةَ الدَّمِ أميراتِ مُوناكو
يَتناوَلْنَ دَمي معَ الكافيارِ/ أنا أرشيفُ الضَّحايا في مَحاكمِ التَّفتيشِ /
ولا حَاكِمٌ ولا مَحكومٌ /
تَكتبُ السَّبايا التقاريرَ السِّريةَ / وضَفائرُ
الفَتَياتِ أرشيفٌ للانقلاباتِ العَسكريةِ / بنى الغروبُ بُورصةَ الحريمِ في
رِعشةِ الأسْفَلْتِ/ والكِلابُ البُوليسيةُ تستثمرُ في مَحاكمِ التَّفتيشِ /
وتأكلُ جُثثَ الكرادلةِ / يَلْمَعُ قَوْسُ قُزَحَ في غُرفةِ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ
الكَهْربائيِّ / التَّوابيتُ مِن نُحاسٍ / وحَبَّاتُ المطرِ تمشي على سُورِ
المقبرةِ / وَجَسَدُ الرِّياحِ هُوَ شَوْقُ الجنودِ إلى زَوْجاتِهِم / فلا تُشْفِقْ
عَلَيَّ أيها المطرُ / سَوْفَ أُقْتَلُ في لَيْلةٍ ماطرةٍ / وتظلُّ الجثثُ تَحْتَ
المطرِ / والجرادُ يَأكلُ أغشيةَ البَكارةِ في الطرقاتِ الْمَنْسِيَّةِ / ويَلعبُ
الأطفالُ بِنُهودِ أُمَّهاتِهِم المقطوعةِ /
ابْنُ تاجرِ المخدِّراتِ
يَتزوَّجُ ابنةَ تاجرِ الرَّقيقِ الأبيضِ في عُرْسِ تاجرِ الأسلحةِ / فَشُكْراً لَكَ يا وَطَنَ
الملوكِ العبيدِ / تتحوَّلُ النِّساءُ إلى صَفَقاتٍ خاسرةٍ بِكُلِّ رُومانسيةٍ /
لم نعرِفْ لَحْنَ الوَدَاعِ / لَكِنَّنا نرقصُ في حَفْلةِ الإعدامِ / تصيرُ دِمائي
أحْمَرَ شِفاهٍ للجَرادةِ / التي ذَبَحَهَا العِشْقُ بِخَنجرِ الذِّكرياتِ /
سَتَرقصُ كِلابُ الصَّيْدِ على السَّجادِ الأحمرِ / سَيَفرحُ البَعُوضُ في
المواكبِ الملَكِيَّةِ / أبحثُ عَن مُسْتَقْبَلِي السِّياسِيِّ بَيْنَ رُعاةِ
الغنمِ ورُعاةِ البَقَرِ / ويَرقصُ المشنوقونَ حَوْلَ جَماجِمِهِم / ويَقْرَعُونَ
طُبولَ الحربِ بَيْنَ الرُّؤوسِ المقطوعةِ وأحزانِ نِساءِ القَبيلةِ / والأرصفةُ
مَدْهُونةٌ بأغشيةِ البَكارةِ / مُسَدَّسي مَطْلِيٌّ بأحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ/
أُطْلِقُ الرَّصاصَ على الذِّكرياتِ / وأنا الْمَنْسِيُّ / نسيتُ نعشي في صُندوقِ
البَريدِ / نَسيتُ جُثةَ أبي في حَقيبتي المدرسيةِ / وَلَم يَزُرْني غَيْرُ
الإعصارِ/ مَشَيْتِ إلى الموتِ أيتها الذِّئبةُ الشَّقْراءُ / وَبَقِيَ عِطْرُكِ
القَاتلُ في الممرَّاتِ/
أنا صَخَبُ الغاباتِ
المضيئةِ بَيْنَ هُدوءِ الصَّيادِ وهُدوءِ الفَريسةِ / أنا الهدوءُ الدَّمَوِيُّ بَيْنَ
رُومانسيةِ القَاتلِ ورُومانسيةِ الضَّحيةِ / والزَّوابعُ تَطْحَنُ عِظامَ الجنودِ
كُحْلاً للصَّبايا / والرَّمادُ يُوَزِّعُ عُلَبَ المِكياجِ على جَواري القَصْرِ قَبْلَ
الجِمَاعِ / ذَهَبَتْ أشلائي في التُّرابِ/ جُثتي الْمُتَحَلِّلَةُ خَرَجَتْ ولم تَعُدْ
/ لَكِنَّ حَفَّارَ قَبْري عَادَ / فَيا سَيِّدةَ الموانئِ الخريفيةِ / أنتِ العُذوبةُ
والعَذابُ / كَيْفُ أهْرُبُ مِن السِّجْنِ وأنا السِّجْنُ ؟ / أخافُ أن أستيقظَ مِن
النَّوْمِ / أخافُ أن أنظرَ في المِرْآةِ / جَدائلُ النِّساءِ هِيَ أرشيفٌ للسُّفنِ
الغارقةِ / فَكُوني زَهْرةً مَسمومةً كَي تَرقصَ الخيولُ على جَسَدِ النَّهْرِ /
أُهَنِّئُ الموتى في عِيدِ مَوْتِهِم / وأجْمَلُ الأمواتِ هُوَ الذي لم يَمُتْ /
وأُهَنِّئُ البُحَيرةَ بِمُناسَبةِ طَلاقِها مِن البَحْرِ/ أُحِبُّ كُلَّ شَيْءٍ
فِيَّ إلا أنا/ صارَ لَحْمي مَحطةً لِتَوليدِ الكَهْرباءِ لأعدائي/ وَرِثْنا أمجادَ
الوَحْلِ/ وَرِثْنا شَرَفَ أشجارِ المقابرِ / سَيَظَلُّ صَوْتُ المشنوقِ العَالي
أعْلَى / يا أُورُشَليم / يَا قَاتِلةَ الْحُلْمِ / ماذا أبقَيْتِ لِنَساءِ بَنِي
إسرائيلَ / وقَد رَأيْنَ وُجوهَ آبائِهِنَّ مُلَطَّخَةً بِدِماءِ الأنبياءِ ؟ /
شَعبي يَخترعُ أصناماً لِيَطُوفَ حَوْلَها / فيا أحزانَ الطفولةِ في المساءِ
السَّحيقِ / أخافُ أن أفرَحَ / أخافُ أن أعيشَ/ سَيَأتي جُثمانُ أبي من أمواجِ
الشَّفقِ / وما زَالتْ أُمِّي تنتظرُ أبي في مَرافئِ الاحتضارِ /
كَسَرَ الليلُ
الزُّمرديُّ أصابعَ الأطفالِ على طَباشيرِ الْحُزْنِ / والسَّتائرُ الرَّماديةُ في
ليالي الخريفِ/ تُخَبِّئُ أحزانَ
النِّساءِ في أكياسِ الطحين/ أسيرُ في أدغالِ الكَهْرمانِ بِلا بُوصلةٍ/ لكنِّي
أعْرِفُ أضرحةَ النِّساءِ اللواتي قُتِلْنَ في قَلبي / سَوْفَ تَجلسُ الأمهاتُ
عِندَ نوافذِ الشِّتاءِ / ويَنتظِرْنَ نُعوشَ أبنائِهِنَّ /
هَل تنظرُ الجاريةُ في
عُيونِ سَيِّدِها أثناءَ الجِمَاعِ ؟ / رِئتي مُلقاةٌ في مَزهرياتِ كُوخي /
والصَّدأُ يَحتلُّ صُندوقَ البَريدِ/ الحوتُ الأزرقُ وَراءَ أشجارِ الذاكرةِ /
وإسطبلُ الذبابِ في حَنجرتي الوَرَقيةِ/ امرأةٌ تتزيَّنُ لِحِيطانِ غُرفةِ
نَوْمِها / وتُحَدِّقُ في جُثةِ زَوْجِها / هَدايا العِيدِ في مرايا الزَّهايمرِ /
سَوْفَ تَذهبُ جُثتي الْمُحَنَّطةُ بِمِلْحِ الدُّموعِ إلى حفَّارِ قَبْري/ كما
تَذهبُ الإمبراطورةُ إلى عَشيقِها/ البَراويزُ على حِيطانِ زِنزانتي تَخُونُني /
وتَنتخبُ سَجَّاني / وأنا أتجسَّسُ على شَهيقي / لأُعَقِّمَ قِرْميدَ كُوخي
بأملاحِ دَمْعي / عَريسٌ يَتجوَّلُ بَيْنَ قُبور أُسْرَتِهِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ
/ وذُكورةُ حَبْلِ المِشْنقةِ ضَوْءٌ / يُرَتِّبُ في سَقْفِ حَلْقي شَواهِدَ
القُبورِ / كأرقامِ جَدْولِ الضَّرْبِ /
قالَ الرَّمْلُ لِزَوْجَتِهِ
الصَّحْراءِ / لا أَقْدِرُ أن أَعِدَكِ بِحُضورِ لَيْلةِ الدُّخلةِ / يُدافِعُونَ
عَن حُقوقِ الإنسان / لَكِنَّهم يَحترمونَ الكِلابَ البُوليسيةَ / يَغتصبونَ رُوحَ
المرأةِ / ويُدافِعُونَ عَن جَسَدِها / وأنا الطريدُ / عِندما لا أَكُونَ
مُكْتَئِباً أَكُونُ مُكْتَئِباً / ولا بُدَّ أن أُسْرَقَ كَي أتأكَّدَ أنني في
وَطَني / ويَجِبُ أن أَضيعَ لأدْعَمَ الوَحْدةَ الوَطَنيةَ .