لا شيء سوى الدم / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.............
دَمي لَيْسَ أزرق / دَمي الأخضرُ يَتساقطُ في
كُوبِ الشَّايِ الأخضرِ كَشَظايا المزهرِيَّاتِ / وَالعُشَّاقُ لَم يَأْتُوا إلى
المطْعَمِ لأنهم مَاتوا / جُثَثُ العُشَّاقِ سَقَطَتْ في عَصيرِ البُرتقالِ /
وَالأطفالُ لَم يَبْنُوا قُصورَهُم الرَّمْلِيَّةَ / لأنَّ البَحْرَ أكَلَ
خُدُودَهم / سَقَطَت الرُّومانسيةُ في آبارِ النِّفْطِ / وَالنَّوارسُ تُعَلِّقُ
أغشيةَ البَكارةِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / انتصرَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ عَلى دَمِ
الحيْضِ / وَكُلُّ الدِّماءِ خَاسرةٌ / لا شَيْءَ سِوى الدَّمِ في مَمالكِ
الوَباءِ /
زُعماءُ القَبائلِ أجَّروا طُبولَ الحربِ لِلْفِرْقَةِ
الموسيقِيَّةِ/وَكُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرآةِ عَرَفْتُ أني مَقتول/ تَصطادُ
اللبؤاتُ ضَوْءَ القَمرِ / وَسُفُنُ الغُزاةِ تَرسو في دِماءِ الحيضِ / رَمْلُ البَحْرِ
كَلْبُ حِراسةٍ أمامَ مَتْحَفِ الضَّحايا / وَأنا القائدُ المنتصِرُ في مَعركةِ
الوَهْمِ / حَوْلِي الفِرْقَةُ الموسيقِيَّةُ وَطُبولُ الحربِ وَالأحصنةُ الخشبِيَّةُ
والمسدَّساتُ المائِيَّةُ / هَذا التُّرابُ تَحْتَ شَجَرةِ الصَّنوبرِ كانَ أبي /
سَيَنمو الكَرَزُ في مَخازنِ الأسلحةِ/ حُزني مُشَقَّقٌ مِن أثَرِ السِّياطِ / فَخُذْ
مَجْدَ الأندلسِ / وَأَعْطِني ذَاكرةَ الهروبِ مِن مَحاكمِ التَّفتيشِ/ خُذْ عُنفوانَ
الفَراشاتِ/ وَأَعْطِني انكسارَ الذبابِ/ الجثثُ مُنتشرِةٌ في الشَّارعِ /
فافْرَحي أيَّتُها الكِلابُ الجائعةُ /
بَيْنَ ألواحِ صَدري
وَطَريقِ النَّهْرِ/ تَنتشرُ جَثامينُ العُشَّاقِ والحواجزُ العَسكرِيَّةُ/ حَوَاسِّي
الْخَمْسُ طَابُورٌ خَامِسٌ / وَجِنازةُ الرِّمالِ هِيَ العَهْدُ القَديمُ / وَالعَهْدُ
الجديدُ يَنْصِبُ في صُكُوكِ الغُفرانِ خَيْمَةَ الأسرى / وأنا المقتولُ في ضَوْءِ
القَمَرِ / لَيْسَ لِي عَهْدٌ قَديمٌ وَلا جَديدٌ / مَوْتُ الأزهارِ يَتكرَّرُ في
مَوْتِ الشُّعوبِ الخرساءِ فِئرانِ التَّجارُبِ/ والوُجوهُ الْمُشَقَّقَةُ
تَتساقطُ على أقنعةِ الملوكِ اللصوصِ / الذي يَحْكُمُونَ الجماجمَ الْمُتشائِمةَ
بالتَّفاؤُلِ /
اقْتِصَادٌ مُزْدَهِرٌ مَبْنِيٌّ عَلى أثداءِ
الرَّاقصاتِ في الملاهي النَّهارِيَّةِ / وَكُلُّنا رَاقصاتٌ / اختلفَ أُسلوبُ
الرَّقْصِ / لكنَّ حَياتَنا مَلْهَىً لَيْلِيٌّ أوْ نَهارِيٌّ / تَعَادَلَ الغبارُ
معَ الزَّبَدِ / لأنَّ البَحْرَ باعَ شَرَفَهُ للسُّفُنِ الحربِيَّةِ / مَوَادُّ
الدُّستورِ مُتَغَيِّرةٌ حَسَبَ مِزَاجِ عَشيقاتِ الخليفةِ / يُحَوَّلُ مَجْرَى
النَّهْرِ حَسَبَ بُوصلةِ دَمِ الحيْضِ لِلْمَلِكَةِ العاقرِ / شَرَفُ الْمُحَارِبِينَ
القُدامى مَبْنِيٌّ عَلى تِجَارَةِ الْمُخَدِّرَاتِ / والضَّفادعُ تُوَزِّعُ
الأوسمةَ العَسْكَرِيَّةَ على تُجَّارِ الأسلحةِ / وكُلَّما سَرَقْنا المواطِنَ
الذي لا يَعْرِفُ أنَّهُ مُواطِنٌ / ارتفعَ مَنسوبُ الوَحْدةِ الوَطَنِيَّةِ
كَحَليبِ الرَّاقصاتِ / والنَّشيدُ الوَطَنِيُّ يُلَحِّنُهُ الموْجُ في دُستورِ
التَّمييزِ العُنصُرِيِّ / والسُّعالُ الفِضِّيُّ يَقْلي الأغاني الوَطَنِيَّةَ كالبَطاطا
لِنِسيانِ سَرِقَةِ الوَطَنِ /
في المساءِ السَّحيقِ /
يَنبعثُ سُعالُ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ مِن آبارِ الحضارةِ / العِشْقُ اختراقٌ
أمنيٌّ / فَاكْرَهِيني يا أعمدةَ الكَهْرباءِ في طَريقِ البَحْرِ / وَسَامِحِيني
يا حُقولَ الزَّرنيخِ / عُلَبُ المِكياجِ الفَارغةُ مُلْقَاةٌ مَعَ عِظَامِ الموتى
/ مَا فَائدةُ العِشْقِ في المدافنِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ ؟/ الرِّيحُ تَنْثُرُ
الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ عَلى فِرَاشِ الموْتِ/ وَالعَاشِقُ لا يَقْدِرُ أن
يَنْظُرَ في عُيونِ عَشيقَتِهِ / كُلُّ أسرارِ النِّساءِ دُفِنَتْ في المقابرِ/
وَمَاتَ الطَّيْفُ الشَّريدُ / وانكسرَ الظِّلُّ المهاجرُ /
أَحْزَنُ على تِلْكَ
الدُّميةِ في مَسْرَحِ العَرائسِ/ قَضَتْ حَيَاتَهَا مِمْسَحةً لِحِذَاءِ
زَوْجِها/ أنا الأعزلُ/ لَكِنَّ قَفَصِي الصَّدْرِيَّ مَخْزَنُ أسْلِحة / نَمشي في
مَساءِ الكُوليرا إلى صَوْمَعَةٍ خَريفِيَّةٍ غَامضةٍ / كَي نُمارِسَ الاحتضارَ
الوَهَّاجَ / نَشَرُوا في تَضاريسِ مَعِدَتي المقاصِلَ كَحِبَالِ الغسيلِ / غَرِقَ
العَاشِقُونَ في الْمُستنقعِ الْمُضِيءِ / وأنا أغْرَقُ في بُحَيرةِ الخريفِ /
وأُنادي على أُمِّي / وَلَم يَجِئْ أحَدٌ إِلا الموْت /
أيُّها الوَطَنُ
المجهولُ / الذي يُولَدُ في الْجُثَثِ المجهولةِ / تاريخُ حَضارةِ العَمَى مَزروعٌ
في أجفانِ البَعُوضِ / الزَّبَدُ هُوَ الوَجْهُ الحقيقيُّ للبَحْرِ / والبَحْرُ
هُوَ القُربان / أضاءَ شُموعَ الرِّيحِ الرَّأْسُ المفصولُ عَن الجسَدِ/ والدَّمُ
لا يَنامُ / لا أحَدَ سَيُحْضِرُ لَكَ جَماجِمَ التُّفاحاتِ في الزِّنزانةِ
الانفرادِيَّةِ/ سَيَنْفَرِدُ الدُّودُ بِوَجْهِكَ الذابلِ / والأسطورةُ لا تَموتُ
/
الثلجُ على مَوْقَدةِ كُوخي أرشيفٌ للسُّيوفِ المكسورةِ/وأناشيدُ المجزرةِ
قَوْسٌ يَبْحَثُ عَن السِّهامِ/ أوْ عَرْشٌ يَبْحَثُ عَن الملِكِ المخلوعِ / لا
رِمَاحٌ حَوْلَ جُثماني ولا سِهَامٌ / يَنكسرُ المعنى في بَساتينِ الجثثِ /
والأرقُ في خُدودِ السَّبايا ذَاكرةٌ لِقُمصانِ النَّوْمِ / ذَهَبَ الأطفالُ إلى
الموتِ / وبَقِيَت الأراجيحُ في ضَوْءِ القَمَرِ وَحيدةً / والكَاهِنَةُ نَسِيَتْ
حُبُوبَ مَنْعِ الْحَمْلِ في غُرفةِ الاعترافِ /
الْمُسَدَّسَاتُ
مَطْلِيَّةٌ بِعِظَامِ الغَرقى ورُفَاتِ الزَّوابعِ / والحطَبُ مَطْلِيٌّ
بِذِكرياتِ الأسيراتِ / أيْنَ قَلَقُ الحجارةِ في قَريتي المهجورةِ ؟ / أخشابُ
المقاعدِ في مَحطةِ القِطاراتِ مَدهونةٌ بأحلامِ الغُرباءِ / فلا تَقْلَقْ على
غُرْبَتِنا يا حَبْلَ الغسيلِ الْمُمْتَدَّ مِن حِصارِ سَراييفو إلى حِصارِ
بَيْرُوت/ سَيَرْجِعُ الغرباءُ في قِطاراتِ الرِّيحِ الصَّفراءِ ذَاتَ مَساء /
جُسُورٌ مِنَ الرِّياحِ الْمُزَيَّنةِ بالأشلاءِ / تَجْلِسُ عَلَيها النِّساءُ
الخارجاتُ مِن مَواعيدِ الوَأْدِ / الدَّاخلاتُ في قَوانينِ القَبيلةِ وقَوانينِ
الطوارئِ /
أنتَ دِماءُ الشَّفَقِ
السَّاريةُ كَالْخُيُولِ / في فُوَّهةِ مُسَدَّسِ البُحَيرةِ / أحْرُسُ احتضارَ
التُّرابِ بِتُرابِ الاحتضارِ / كُلَّما تَزَوَّجْتُ الصَّخَبَ طَلَّقْتُ
الضَّجَرَ / فَكَيْفَ تَرْسُمُ الأراملُ اللوحاتِ الزَّيتيةَ في مَتْحَفِ المجازرِ
؟ / خُذْ مِفتاحَ بَابِ الْجُرْحِ / وَلا تَتذكَّر أضرحةَ الصَّبايا الواقفاتِ في
طَابورِ الْخُبْزِ / كُلُّنا قَتلى في هَذهِ المدينةِ / نَخْرُجُ مِن خَمَّارةِ
حُكومةِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / ولا أحدَ يَنتظِرُنا /
يَا أنا / أنتَ اللفظُ المشنوقُ في مَعنى
السَّرابِ / فَكُنْ عَصيراً مِنَ الذِّكرياتِ / كَي يَشْرَبَكَ العُشَّاقُ بَعْدَ
الطوفانِ وقَبْلَ الطاعون/ القَبائلُ تَنقرِضُ كأعشابِ المقابرِ/ والغريبُ
يَبْحَثُ عَن قَبيلةٍ في قُلوبِ النِّساءِ / تَدْخُلُ حَضارةُ الْحُزْنِ في
جَدائلِ اليَتيماتِ / وَتَخْرُجُ مِنَ إِضْرابِ عُمَّالِ المناجمِ / والأغاني
الحزينةُ تَحْمِلُ في نَزيفي قِطاراتِ الصَّدى/ ولا صَدى سِوى الصَّدأ / يَصيرُ
الصَّوْتُ قِناعاً للفَراشةِ الخرساءِ / أنتَ شَخْصٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيكَ /
فَلْيَكُن احتضارُكَ عُكَّازاً للنَّهْرِ العَجُوزِ /
أيُّها النَّوْرَسُ الذي
يُعَقِّمُ جُثتي بِمِلْحِ دُمُوعِهِ / رَاعي الغَنَمِ يَغتصِبُ النِّعاجَ /
والأرقُ يَسيلُ في تِلالِ الذاكرةِ / شُعُوبٌ مَنذورةٌ للإسطبلاتِ الملَكِيَّةِ /
دَوْلَةُ الصَّدماتِ العاطِفِيَّةِ إِسْطبلٌ / والإسطبلُ دَولةٌ في أقاصي
النَّزيفِ / يُجامعُ الإمبراطورُ عَشيقاتِهِ في إسطبلِ الوَحدةِ الوَطَنيةِ / فيا
أيُّها القائدُ الفاتحُ / خُذْ خَواتِمَ الجرادِ / واسْتَثْمِرْها في تِجارةِ
الأسلحةِ / ستندلعُ الحروبُ بَيْنَ القَبائلِ / فَكُنْ مُسْتَعِدَّاً لِكِتابةِ
قَصائدِ الرِّثاءِ / كَي تُعْجَبَ بِكَ نِسَاءُ القَبيلةِ / وَكُنْ مُسْتَعِدَّاً
لِمُغازَلةِ السَّبايا / كَي تُعْجَبَ بِكَ آبارُ النِّفْطِ /
كُلُّ الشُّطآنِ تَنتظرُ
مَوْتَ البَحْرِ كَي تَرِثَهُ وتَرْثِيهِ / فَخُذ الصَّابونَ الذي صَنَعَهُ
الموْجُ مِن عِظامِ الغَرقى / كَي تُنَظِّفَ بَلاطَ السُّجونِ / وَتَزيدَ
الدَّخْلَ القَوْمِيَّ للشَّعْبِ الذي يَغْرَقُ/ الرُّبَّانُ يَجْمَعُ جَدائلَ
عَشيقاتِهِ كَطَوابعِ البَريدِ التِّذكارِيَّةِ/ والسَّفينةُ تَغْرَقُ /
والفَراشةُ تَسْبَحُ معَ سَمَكةِ القِرْشِ / والجنونُ يَنامُ على أجنحةِ الحمَامِ
/ فَكَيْفَ يَطيرُ القَلْبُ المكسورُ نَحْوَ الطعنةِ القاتلةِ ؟ /
كِلابُ الحراسةِ / وأبراجُ الْمُرَاقَبَةِ /
يَبدأُ عُرْسُ الوَحْدةِ الوَطَنيةِ / حَيْثُ يَتزوَّجُ ابْنُ تاجرِ الأسلحةِ
ابنةَ تاجرِ المخدِّراتِ / المعنى يَتآكلُ كَدُودةِ القَزِّ / والزَّوابعُ
تَضمحِلُّ في أجفانِ الصَّبايا مِثْلَ الكُحْلِ المغشوشِ / سَيْفٌ مَنقوعٌ في
قَارورةِ العِطْرِ / بُكاءُ العُشَّاقِ في مُسْتَوْدَعَاتِ المِيناءِ / زَوْجَةُ
البَحَّارِ الغريقِ تَتعلَّمُ سِباحةَ الفَراشةِ على جَناحِ بَعُوضةٍ / وَظِلالُ
خَاتَمِ الرِّيحِ على حِيطانِ زِنزانتي / وأطيافُ اليتامى على جُدْرانِ شَراييني /
أيُّها الْمُخْبِرُونَ الأوفياءُ / رَاحِلٌ أنا مِن أشلائي / سَاكِنٌ أنا في
رِمالِ البَحْرِ / أُبايِعُ جَارَتَنا الأرملةَ مُديرةً للمُخابَراتِ لِتَعزيزِ
حُقوقِ المرأةِ / بَاعُوا الوَطَنَ في السُّوقِ السَّوداءِ / وَأنْشَدُوا أغاني
الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ /
أيَّتُها الرَّاهبةُ الْمَنْسِيَّةُ
بَيْنَ الصَّليبِ وَدَمِ الحيْضِ / سَتَكُونُ جُثتي في بَطْنِ نَسْرٍ أعمى /
يَطيرُ فَوْقَ تِلالِ بِلادي / جُثَثُ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ مَفروشةٌ عَلى
رَمْلِ البَحْرِ / كَالدُّمى في مَسْرَحِ العَرَائِسِ / لَم أدْرُس الرِّياضياتِ
معَ الرَّاهباتِ / وَلَم أدْرُس الفِيزياءَ معَ عَشيقةِ آينشتاين / تَرَكْتُ
دَفَاتِرَ الأعاصيرِ على مَكتبِ الفَيَضَانِ / واعتنقتُ كِيمياءَ الهزيمةِ /
وَوَضَعَ الرَّمْلُ استقالَتَهُ على مَكتبِ الصَّحراءِ / كَأنني فَصَّلْتُ قُضْبَانَ
سِجْني عَلى مَقاسِ أزرارِ قَميصي/ كَمَا يُفَصِّلُ خَيَّاطُ الملِكَةِ فَساتينَ
السَّهرةِ على مَقاسِ اليتيماتِ / الواقفاتِ كَرَاياتِ القَبائلِ قُرْبَ إشاراتِ
المرورِ/ وَجَدْتُ قَلبي عَلى قَارعةِ الطريقِ / مَرْمِيَّاً تَحْتَ بَساطيرِ
الجنودِ / وَكَانت عَرَبَاتُ العُشْبِ تَنْقُلُ المحكومينَ بالإعدامِ إلى أشجارِ
الصَّنوبرِ في المدافِنِ /
في صَباحِ المساءِ / غَسَلْتُ
قَلبي بالزَّرنيخِ / لَكِنَّ زَمَنَ مَوْتِ الْحُبِّ تَفَجَّرَ في هَيْكلي
العَظْمِيِّ / هَل سَيَجِدُ الْمُخْبِرُونَ الرُّومانسِيُّونَ الوَقْتَ كَي يَمشوا
في جِنازتي ؟ / لَم أَعُدْ أرى أمامي سِواكِ /
يا قَاتلتي الْمُتَوَحِّشَةَ / التي تَكتبُ عَلى قَشِّ الإسطبلاتِ دُستورَ
الأسلاكِ الشَّائكةِ / وتاريخَ أحلامِ المنبوذين / وجُغرافيا القُرى المنسِيَّةِ /
لا أَقْدِرُ أن أفتحَ البَابَ المفتوحَ /
فَيَا قَاتِلي الذي لا يَخُونُني / ابْنِ أقواسَ النَّصْرِ بَيْنَ نَوْباتِ
اكْتِئابي وَقَارُورةِ الحِبْرِ / شَظَايا التفاحِ الْمُلَوَّثِ باليُورانيومِ
الْمُخَصَّبِ في غَابةٍ عَاقِرٍ / تتكاثرُ الملاهي الليلِيَّةُ لِتَعزيزِ
الوَحْدةِ الوَطَنِيَّةِ / أَرْهَنُ عَمُودي الفِقْرِيَّ عِندَ الفَيَضَانِ /
وَأتَبَرَّعُ بِأظافري لِجَمْعِيَّةِ الْمُحَارِبِينَ القُدامى/ الذينَ قَادُوا
المعاركَ في غُرَفِ النَّوْمِ / أتَوَكَّأُ عَلى عُكَّازةِ أبي / والأنهارُ
العَرْجاءُ تَتَوَكَّأُ على عُكَّازتي/ سَأَلُفُّ عَلى جَسَدي كُلَّ غاباتِ
النُّحاسِ / فَإِذَا قُتِلْتُ لَن تَظْهَرَ عَوْرَتي / لَم أَنَمْ مُنْذُ قُرُون /
لأنَّ دِماءَ الرَّاهباتِ تَقْرَعُ أجراسَ النَّزيفِ / تَمشي الشَّركسياتُ في
جِنازةِ السُّنونو / واليَتيماتُ يُطْعِمْنَ طُيُورَ البَحْرِ أشلاءَ القِرْميدِ /
والصَّبايا على رَصيفِ المِيناءِ/ يَنْتَظِرْنَ الجنودَ الذينَ لَن يَخْرُجوا مِنَ
الغَوَّاصاتِ /
كُلَّما عَشِقْتُ
الصَّدى تَذَكَّرْتُ الصَّدَأَ / وَكُلَّما ضَحِكْتُ تَذَكَّرْتُ وَجْهي عَلى
فِرَاشِ الموْتِ / يَا صَدِيقي الرُّبَّان / ارْمِ جُثتي مِنَ السَّفينةِ /
وَارْحَلْ إِلى شَاطِئِ الغروبِ/ سَتَجِدُني مَصلوباً على مَنارةِ الذِّكرياتِ /
لا أرْمَلةٌ لِي تَبكي عَلَيَّ / ولا بَحْرٌ لِي يُحَنِّطُ عِظامي / وَشُعراءُ
القَبيلةِ لَيْسَ لَدَيْهِم وَقْتٌ كَي يَرْثُوني / سَأقومُ بِتَصْفِيَتي
جَسَدِيَّاً / كَي تَلتقِطَ السَّائحاتُ الصُّوَرَ التِّذكارِيَّةَ مَعَ جُثماني /
وأزيدَ الدَّخْلَ القَوْمِيَّ لِقُطَّاعِ الطُّرُقِ /
مُهَرِّجو البَلاطِ /
وَإِمَاءُ الخليفةِ / وبَلاطُ السُّجونِ / وَصَالَةُ الرَّقْصِ في بَرْلَمانِ
التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَدِّعْ رُموشي يا أنا / وَكَن مَوْتاً لِتَحيا بَيْنَ
السنابلِ / تَرَكْنا زَيتونةَ الرَّحيلِ في سَاعةِ السَّحَرِ / أنا بائعٌ
مُتَجَوِّلٌ في شَرايينِ الغيومِ / والدِّماءُ تَسيلُ في طُرُقاتِ رِئتي وأزِقَّةِ
المرفأ / كُلُّنا مُسافِرُونَ على أجنحةِ السَّرابِ / وَحْدَهُ الحمَامُ الزَّاجلُ
سَيَعْرِفُ خَريطةَ قُبورِنا وخَرائطَ قُلوبِنا / وستظلُّ جَدائلُ أُمَّهاتِنا
نَخَيلَ الوَدَاعِ في مُدُنِ الأوجاعِ .