ذكريات رجل عاش تحت الأرض / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
............
أنا الفَأرُ العائشُ تَحْتَ الأرضِ /
الْمُتَوَّجُ عَلى النُّعوشِ الْمُتَآكِلَةِ / لا مِصْيَدةٌ وَلا عَرْشٌ / أنا المسافرُ في دِمائي/ لا دَولةٌ ولا
نشيدٌ/ اختلطَ دَمُ الأغنامِ بِدَمِ الرَّاعي/والبَراري مَنذورةٌ للكُوليرا/
للوَجَعِ قَناديلُ الخريفِ/ فانْتَظِرْني يا
شِتاءَ الدُّموعِ / حِينَ يَحْقِنُ النهرُ أوردةَ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ
بالأحجارِ الكريمةِ / الذِّكرياتُ مُلْقاةٌ تَحْتَ حَوافرِ العَصافيرِ / وأجسادُ
البَشَرِ مَرْمِيَّةٌ تَحْتَ بَساطيرِ الجنودِ / وأدغالُ البُكاءِ تَمشي في حَناجرِ
الخيولِ / غَابَ مَكاني عَن زَماني / وانكسرَ الاثنانِ بَيْنَ أصابعي /
فَلْيَذْكُرْ وَجْهي الغُرباءُ العابرونَ في أرشيفِ الكَستناءِ/ وَطَني نَائِمٌ
بَيْنَ شَفَراتِ السُّيوفِ وحِبَالِ الغسيلِ / والْخُبْزُ صَارَ ذَاكرةَ الغُزاةِ /
أناشيدي يُرَدِّدُها الأغرابُ في أدْيِرةِ الخناجرِ / والصَّدَماتُ العاطفيَّةُ
كُحْلٌ للرَّاهباتِ في فَترةِ الحيْضِ / نُعَلِّمُ أبناءَنا جَدْوَلَ الضَّرْبِ /
كَي يَحْسِبُوا عَدَدَ الطَّعَناتِ في صُدورِ آبائهم / لا سَيْفٌ حَوْلَ نَعْشي
يَقْطَعُ ضَفائرَ البَناتِ/ ولا جُثةٌ حَوْلَ أوتادِ خَيْمتي تُغَنِّي في ليالي
الطاعون / رُموشي مُحَاصَرَةٌ / وأوْرِدتي هِيَ نَقْشُ أجنحةِ الحمَامِ على
مَساميرِ نَعْشي / وَضَعَ الشَّفَقُ التَّوابيتَ على ظَهْرِ بَغْلتي العَرْجاءِ /
وأشرعةُ السُّفُنِ الغارقةِ بُوصلةٌ لِعَرَقِ القُرصان / لا أحَدَ يَهْرُبُ مِن
مَاضِيه / الماضي هُوَ مُسْتَقْبَلُ الهياكلِ العَظْمِيَّةِ / والرِّيحُ تَغْرِسُ
أشلاءَنا في الرِّمالِ الْمُتَحَرِّكَةِ / ذَهَبَت الرَّاهباتُ إلى الموْتِ /
وَبَقِيَتْ جَوارِبُهُنَّ البَيضاءُ عِندَ مَوْقَدةِ الشِّتاءِ/
دَمْعُ
البَحْرِ على المرايا / والدَّمُ الذي يَطْفُو على سَطْحِ النِّفْطِ تَفَرَّقَ
بَيْنَ القَبائلِ / لماذا تُخَزِّنُ أشِعَّةُ القَمَرِ وِشَاحَ أُمِّي في القُصورِ
الرَّمْلِيَّةِ ؟ / مَاتَ أطفالُ الشَّاطئِ على أراجيحِ الشَّفَقِ / ولَيْسَ
لِلْمَوْجِ طُفولةٌ سِوى بُيُوضِ السَّلاحفِ/ مَا لَوْنُ قَميصِ السَّجَّانِ
الوَاضِحِ كأثاثِ المنفَى الاختياريِّ ؟/
أُمِّي سَتَعْرِفُ جُثتي بَيْنَ آلافِ الْجُثَثِ/والعِشْقُ
وَردةُ الفُقراءِ المخنوقةُ/ نَوْرَسٌ يَبحثُ عَن شَجَرَةِ نَسَبِهِ في الوَحْلِ/
والحافلاتُ تَنْقُلُ السَّبايا في الفَجْرِ إلى المطَرِ الأُرْجُوانِيِّ /
والزَّوْبعةُ تُكَنِّسُ ذِكرياتِ العاشِقينَ في القُرى المهجورةِ / الفَجْرُ
الكاذبُ شَاهِدٌ على التَّطْهيرِ العِرْقِيِّ / فلا تُصَدِّقْ غَيْرَ مَوْتِكَ/
أيُّها الصَّاعِدُونَ إِلى
تِلالِ المجزرةِ / وَاثِقِينَ مِن عَوْدَةِ النَّوارسِ إلى بَحْرِ الرَّمادِ /
خُذُوا ضَفائرَ اليَتيماتِ شَاهِدةً عَلى مَوْتِ الأزهارِ في الأمطارِ / خُذُوا
عُلْبةَ مِكياجِ البُحَيرةِ شَاهدةً على انتحارِ الخرائطِ في الدُّوَيلاتِ
اللقيطةِ / وَكُنْ يا سَجَّاني خَارطةً لِجُلُودِ النُّسورِ المنقوعةِ في
النِّفْطِ / لا بَغْدادَ سِوى دِمَشْق / وَالأُمَوِيُّونَ والعَبَّاسِيُّونَ لَن يَذهبوا
إِلى مُؤْتَمرِ السَّلامِ / تَتساقطُ الطيورُ الجارحةُ في جَوارحي / وأعضائي
تَتساقطُ أمامَ بَابِ الأحلامِ / والدُّودُ يَأكلُ عُكَّازةَ أبي تَحْتَ ضَوْءِ
القَمَرِ /
أجراسُ الكَنيسةِ هِيَ مَوْتُ النَّشيدِ / وَالوَطَنُ
ذَاكرةُ العَبيدِ / وحَبْلُ الغسيلِ عَلى سَطْحِ الدَّيْرِ المهجورِ/ هُوَ كُحْلٌ
للرَّاهباتِ القَتيلاتِ / فَلا تَنتظِرْ مَوْتَكَ / سَيَخْرُجُ الموْجُ مِنْ قَميصِ
البَحْرِ/ فَادْخُلْ في شَهيقِ الرَّمْلِ / وَاخْرُجْ مِن زَفيرِ الثلجِ / أنا
المصلوبُ على ألواحِ رِئَتي / هَيْكلي العَظْمِيُّ في لَيالي الملاريا / يُضِيءُ
الطريقَ للنَّوارسِ المهاجِرةِ / فَاحْمِلْ أخشابَ نَعْشِكَ عَلى ظَهْرِكَ /
وانتظِرْ مَن يَصْلُبُكَ / سَتأتي مِن شُموعِ الخريفِ يَمامةٌ / تَصْلُبُكَ عَلى
أخشابِ نَعْشِكَ ذَاتَ مَساء /
لا تَبْحَثْ عَن السِّجْنِ كَي تَكْسِرَهُ/ لا
تَبْحَثْ عَن السَّجَّانِ كَي تَقْتُلَهُ / أنتَ السَّجينُ والسَّجَّانُ/ وَسِجْنُكَ
في دَاخِلِكَ / فاصْعَدْ مِن جَدائلِ أُمِّكَ / واكْسِرْ عُكَّازَ أبيكَ /
كُلُّكُم مَحْكُومونَ بالحنينِ وَقَانونِ الطوارئِ / تَمْشُونَ إلى البَحْرِ في
ليالي الطاعون / لَن يَستطيعَ المحكومُ بالإِعدامِ أن يَضحكَ / انتهى زَمَنُ
الضَّحكِ/ فَابْدَأْ مِن رُفاتِ المطَرِ ضَريحاً أوْ جَريحاً / واقْتُلْ
ذِكرياتِكَ كَي تَعيشَ / وَلْتَمُتْ لِكَيْلا تَموتَ / وَطَنٌ يَصُبُّ حَليبَ
الرَّاقصاتِ في قَارورةِ الحِبْرِ / ويَدُسُّ السُّمَّ في أجفانِ الفلاسفةِ /
في ذَاكرةِ الموْجِ
الأخضرِ يَتمدَّدُ جُثمانُ أبي/وأنا المنبوذُ/ أزرعُ السنابلَ في حَنجرةِ نَسْرٍ
مَشلولٍ/ والشِّتاءُ يَدْهَنُ نَوافذَ جُباةِ الضَّرائبِ بأشلاءِ اليتامى / لَيْسَ
رَمْلُ الشَّاطئِ إلا لَحْماً مُحترِقاً على الصليبِ / وبَائعُ التذاكرِ مَاتَ في
مَحطةِ القِطاراتِ / والقِطاراتُ ذَهَبَتْ وَلَن تَعُودَ / والمجرَّاتُ تَعتنقُ مَوْتَها
/ فيا أيُّها العاشقُ في الليلِ / المقتولُ في النهارِ / كُلُّنا نَكتبُ قَصائدَ
الغَزَلِ في المساءِ/ وَالصَّقيعُ يَكتبُ قَصائدَ الرِّثاءِ في الصَّباحِ /
كُلُّنا نَضحكُ في الليلِ / ولا نَعْرِفُ أنَّ مَوْتَنا عِندَ الفَجْرِ /
يا نَجمةً تَرْسُمُ على
صَدري انتحارَ بِلادي / الرِّيحُ النُّحَاسِيَّةُ لا تَرْحَمُ / وأنا لَم أَرْحَمْ
نفْسي / الدَّجاجُ المصعوقُ يَصيرُ سَجَّاداً مَفروشاً عَلى رَمْلِ البَحْرِ /
عَرَقُ العَصافيرِ النَّيِّئةِ / وفي نَزيفي تُولَدُ أكواخُ الصَّفيحِ الضَّيِّقةُ
/ الخريفُ يَتَّسِعُ عَلى نَوافذِ البُرتقالِ / وَتَموتُ أُمَّهاتُنا أمامَ
عُيونِنا المعدنِيَّةِ / إِنَّهُ الرَّحيلُ أيَّتُها البَراويزُ الخشَبِيَّةُ /
التي يَأكُلُها البَقُّ على حِيطانِ مَحاكمِ التَّفتيشِ / كأنني زَهْرَةٌ
مُتَوَحِّشَةٌ في صُندوقِ البَريدِ الذي أَكَلَهُ الصَّدَأُ / والمطرُ
الأُرْجُوانِيُّ تَزَوَّجَ نِيرانَ القَبائلِ / رَاحلٌ أنا إلى قَارورةِ السُّمِّ
/ والشِّتاءُ البَعيدُ يَسْكُبُ دُموعَ النِّساءِ في قَارورةِ العِطْرِ الفَارغةِ
/ مَكسورٌ أنا كَخُدودِ البُحَيرةِ / صُبِّي قَارورةَ السُّمِّ في قَارورةِ
العِطْرِ / كَي تَشْرَحي للسَّائحاتِ خَريطةَ جِنازتي / وَاكْسِري قِناعَ الضَّحيةِ
/ لا تَلْعَبي دَوْرَ الضَّحيةِ / أنتِ ذِئْبَةٌ تَكْسِرُ ظِلالَ المطَرِ / وَتَغتسلُ
بالأحزانِ الشَّمْعِيَّةِ/ وَالحضَارةُ تُوَدِّعُ أغشيةَ البَكارةِ في مَرافِئِ
السُّلِّ/ أرى وُجُوهَ النِّساءِ السَّائراتِ في جِنازتي/ الصَّاعداتِ إِلى
الْحُزْنِ الغَامِضِ في عُيوني / أرى وَجْهَ أُمِّي في الْمَأْتَمِ / أرى وَجْهَ
أبي في حَفْلِ تَأْبِيني /
لَم يَحْتَفِلُوا بِزَواجي / احْتَفَلُوا بِمَوْتِي / إِنَّ حَياتي
هِيَ مَوْتي / وأنا سَأَمُوتُ مَرَّتَيْنِ /
أنا حُطَامُ سَفينةٍ
قَديمةٍ / وَأشِعَّةُ القَمَرِ تَبْحَثُ عَن جُثة الرُّبَّانِ / شَمْسُ الخريفِ
فَوْقَ المقبرةِ الكريستالِيَّةِ / وَتُطارِدُني لَعْنَةُ الْحُبِّ القَديمِ /
وَأنا الأحزانُ القَديمةُ التي تَنبعثُ في مَرافِئِ الكَهْرَمان / أمشي في
طُرُقَاتِ الليلِ بَاكِيَاً / تَتساقطُ أعضائي على الأرصفةِ القَذِرَةِ /
وَأرْسُمُ قَبْري تَحْتَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ / أَلْعَقُ ضَبابَ الوَدَاعِ /
وَجَعي تُفاحةٌ كَي أَخْدَعَ البُرتقالَ / والأغرابُ يَتَّخِذُونَ ضَريحي
إِسْطَبلاً للخُيُولِ / والصَّبايا يَزْرَعْنَ الْخَشْخاشَ بَيْنَ أعشابِ المقابرِ
/ ثَلْجٌ أزرقُ عَلى بَابِ رِئتي / وَمَناديلُ الوَدَاعِ هِيَ اللقاءُ الحميمُ
بَيْنَ كُرَياتِ دَمي الْمُتَحَجِّرِ / وصُراخي في مِيناءِ الكُوليرا هُوَ الحياةُ
السِّرِّيةُ للجرادِ / يُحَنِّطُ البَعُوضُ جُثماني في حَبَّاتِ الكَرَزِ /
والكلابُ البُوليسِيَّةُ تَتَبَوَّلُ على جُثَثِ البَشَرِ / قَفَصي الصَّدْرِيُّ
أرشيفٌ لِمُخَلَّفاتِ الجيوشِ المهزومةِ / ورُموشي أسلاكٌ شَائكةٌ على سُورِ
الْمُعْتَقَلِ / كأنَّ الدُّموعَ هِيَ الموْزُ بَيْنَ أصابعِ لاعبي التِّنسِ /
أثناءَ جِنازةِ تَاريخِ الشَّمْسِ /
قُرْبَ أدغالِ الشُّموعِ/
شَرْكَسِيَّةٌ تَرْبِطُ حِصَانَها بِشَجرةِ القَتلى / عِندَ شَظايا القُلوبِ
المكسورةِ/ المطَرُ يُمارِسُ هِوَايَتَهُ في تِجارةِ الأسلحةِ/ وأنا المقتولُ أقضي
وَقْتَ الفَراغِ في دَفْنِ القَتلى / والأطفالُ المذبوحونَ مِن وَريدِ التاريخِ
حَتَّى تاريخِ الدِّماءِ / يَقْضُونَ العُطْلَةَ الصَّيْفِيَّةَ في حَفْرِ القُبورِ
/ كَيْفَ أَقولُ إِنَّني أُحِبُّكِ والطحالبُ تَنمو في حَنجرتي ؟/ خُدودُ
الصَّبايا مِثْلُ النُّعوشِ / كُلُّها مَطْلِيَّةٌ بِالمِكياجِ الْمُسْتَوْرَدِ
والأقنعةِ الأُسْطُورِيَّةِ / وَلا حَقيقةَ إِلا الموْتُ / وَالزَّوابعُ
تَسألُ الأرملةَ عَن قَميصِ نَوْمِها / وَطَنٌ للسَّرابِ / وَالْجُثَثُ تَتراكَمُ
على أزرارِ قَميصي /
كُلَّما هَجَمَ المساءُ عَلى جُلودِنا /
تَكَدَّسَ الخوفُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / كُلَّما وَضَعْتُ رَأسي عَلى
الوِسادةِ في ليالي الشِّتاءِ البَاكيةِ / هَاجَمَتْني وُجُوهُ الموتى / كُلَّما
مَشَى الموتى في طَريقِ الضَّبابِ القُرْمُزِيِّ/ رَكَضَت أشجارُ الصَّنوبرِ في
شَراييني/وَالأكفانُ المغسولةُ بِدَمْعِ النِّساءِ عَالقةٌ بَيْنَ أسنانِ الرِّيحِ
/ فيا أدغالَ الجسَدِ الْمُهَشَّمِ / خُذي قِسْطاً مِنَ التَّعبِ في استراحةِ
الْمُحارِبِ/ الذي هَرَبَ مِنَ المعركةِ / تُباعُ الجواري في أوْرِدةِ الأمطارِ /
والنَّخَّاسُ يَضَعُ عَلى رَأْسِهِ المقطوعِ عِمَامَةً
سَوْدَاءَ في السُّوقِ السَّوْداءِ الْمُخَصَّصةِ للرَّقيقِ الأبيضِ / وأجسادُ
الأرستقراطِيَّاتِ هِيَ نُزهةُ الأمواتِ في هُدنةِ البُرتقالِ/ والقَتلى
يَصْرُخونَ في جُمجمتي/وَتَتقاتلُ الأسيراتُ عَلى اقتسامِ جُثماني واحتكارِ
ذِكْرياتي/
أكثرُ مِنْ هَاويةٍ/وأقلُّ
مِن مُسَدَّسٍ مَائِيٍّ/عُمُري مُعَلَّقٌ على جُذوعِ النَّخْلِ كالمقاصِلِ
الْمُسْتَوْرَدَةِ/ دَمي الشَّبَحُ / وخَناجرُ التُّفاحِ تَلْهَثُ وَرائي /
وحَبْلُ مِشْنقتي أمْلَسُ كَخَاتَمِ الْخُطُوبةِ / جَسَدي يَتفجَّرُ رَصاصاً
وسَنابِلَ خَارِجَ تَجْسيدِ الْحُلْمِ/ رُموشي أعمدةُ كَهْرَباءَ سَاقِطةٌ في
الرِّمالِ الْمُتَحَرِّكَةِ / وأبجديةُ أحزاني تَقْتُلُ حَقيقةَ أشلائي / فأصيرُ
مَجَازَاً لُغَوِيَّاً لأبجديةِ المنفَى التي تَنتحرُ في شَهيقي /
سَتَسْقُطُ
مَمْلَكَتُكَ أيُّها الغَريبُ فَراشةً فَراشةً / سَيُحَاصِرُكَ الْحُبُّ القَديمُ
/ وَلَن تُفْلِتَ مِن لَعنةِ الماضي/ نَدِمْتَ عَلى الْحُبِّ / وَنَدِمْتَ عَلى
الكَراهِيَةِ / وَالنَّدمُ هُدْنَةٌ بَيْنَ البَحْرِ وَحُطامِ السُّفُنِ/ سَتَتْعَبُ
الفَريسةُ مِنَ الرَّكْضِ في أدغالِ الهديلِ / وَتُسَلِّمُ نَفْسَها لِصَيَّادِها
/ بِلا اتِّفاقِيَّةِ سَلامٍ ولا وَثيقةِ استسلامٍ /
جَدائلُ الإِمَاءِ
سَجَّادٌ أحمرُ في المطاراتِ/وَلا مَطَارٌ في أجفانِ الزَّوابعِ ولا حَقائِب/
زُرقةُ الشُّطآن/ والدَّمُ الأزرقُ للشَّمْسِ / وَرَّثَتْني الفَراشةُ انكسارَ
أجنحتِها / فاكْسِرْ جَناحَكَ / واغْسِلْ فَأْسَ حَفَّارِ القُبورِ بِمِلْحِ
دَمْعِكَ / سترى جُمجمةَ أُمِّكَ في بِئْرِ قَرْيَتِكَ / والأزهارُ على التَّابوتِ
مُعَدَّلةٌ وِراثِيَّاً / فَكُنْ شَقيقَ جُنوني يا سِجْني/ أُولَدُ في الْجُثَثِ
الْمُضيئةِ / لأعْرِفَ أنَّ الموْجَ يُخَبِّئُ بُيُوضَ السَّلاحفِ بَيْنَ أسناني/
أخشابُ القواربِ الْمَنْسِيَّةُ في حَنجرتي/ وجُثماني بَحْرٌ بِلا شاطئٍ/ أوْ
شَاطِئٌ بِلا عُشَّاقٍ/ أوْ عُشَّاقٌ بِلا قُصورٍ رَمْلِيَّةٍ / لَم أُواعِدْ
مَلِكَةَ السَّرابِ عِندَ البابِ الخلفيِّ لِصَالةِ الرَّقْصِ / كانت المجرَّاتُ
تأكلُ أشلائي / والنيازكُ تَشْرَبُ ذِكْرياتي / فلا تَسأليني أيَّتُها الموؤدةُ /
لماذا تُخَزِّنُ الشُّطآنُ في حَلْقِكَ رَمْلَ البَحْرِ الأخضرَ ؟ /
أجسادُ السُّنونو
مُلْقاةٌ تَحْتَ بَساطيرِ الجنودِ / والكِلابُ البُوليسِيَّةُ تَشْرُحُ
الدِّيمقراطِيَّةَ لِقِطَطِ الشَّوارعِ / رُبَّما تَسيلُ دِماءُ اليَاقوتِ في
بَراري السُّلِّ / رُبَّما يَتَكَدَّسُ زُمُرُّدُ الشُّطآنِ في مَراعي الكُوليرا/
رُموشُ الأطفالِ تَصيرُ جَنازيرَ للدَّبَّاباتِ / وَدِمَاءُ البَاعةِ الْمُتَجَوِّلِينَ
في مُحَرِّكاتِ السَّياراتِ العَسكرِيَّةِ/ أجفاني شَكْلٌ لأحزانِ أُمِّي /
وعُكَّازةُ أبي مَنْسِيَّةٌ في مَوانئِ الفَيروزِ ومَقاصلِ الشُّوكولاتة/ عَرْشٌ
يَقْتُلُ مَلِكاً يَصيرُ حَجَراً على رُقعةِ الشِّطْرَنجِ / بَيْنَ تَاجرِ الْمُخَدِّراتِ
وَتَاجِرِ الأسلحةِ /
الجواري يَدْعَمْنَ
الوَحْدَةَ الوَطَنِيَّةَ / وذِكرياتُ البَجَعِ في عِيدِ انتحارِ الوَطَنِ حَقيبةٌ
للطوفان / أُغنياتي تُحْتَضَرُ / شَجَرُ الصَّنوبرِ في المقابرِ يَقْتُلُ حُبِّي
الأوَّلَ / ويَتزوَّجُ احتضاري الثاني / تَتَجَوَّلُ الحشَرَاتُ في طُرُقاتِ
رِئَتي / والجرادُ يَتَشَمَّسُ في شَهيقي / والنَّيازكُ تَقْطَعُ ضَفائرَ البَناتِ
بِسَكاكينِ المطبخِ / رَأْسُ الرِّيحِ مَفصولةٌ عَن جَسَدِها / وجُمْجُمَةُ
البَحْرِ مَفْصُولةٌ عَن جَسَدِ الغَابَةِ / أُعْطي أظافري لأحزانِ القَمَرِ /
والمطَرُ هُوَ الفَأْسُ / أَشُجُّ بِهِ رَأْسَ النَّهْرِ / وأبكي على صَدْرِ
البُحَيرةِ / الموْجُ مُتواطِئٌ مَعَ الرِّمالِ الْمُتَحَرِّكَةِ / والشَّاطئُ
يَخُونُ جِلْدي / ويُراوِدُ الصَّحْراءَ عَن نَفْسِها / الوَحْلُ يَغْتَصِبُ
رُمُوشَ الشَّفَقِ/ فَيَا أيَّتُها البَدَوِيَّةُ المكسورةُ بَيْنَ قَميصِ
النَّوْمِ الشَّفَّافِ وَرَايةِ القَبيلةِ الْمُنَكَّسَةِ / مَلِكٌ يَبْحُثُ عَن
عَرْشٍ يَقْتُلُهُ / وَالقِطَارَاتُ تَحْمِلُ تَوابيتَ الجنودِ وَجَماجِمَ
النَّوارِسِ / والأبقارُ تَجُرُّ نُعُوشَ البَحَّارةِ الغَرْقى /
يَا عُشَّاقي القَاتلين / أكثرُ الوُجوهِ
نُعومةً كَانَتْ أكثرَ الوُجوهِ حِقْداً / وأجملُ الأزهارِ كَانَتْ أكثرَها
سُمَّاً / سَأُهْدِيكُم جُثماني في عِيدِ مِيلادي / في عِيدِ انتحارِ اليَمامةِ
التي عَشِقَتْ صَيَّادَها / أتركُ أظافري الْمُتَّسِخَةَ عَلى الرَّصيفِ النَّظيفِ
/ كَي يَجتاحَ قَلبي المساءُ عِندما يَأتي الْهَلَعُ / يَصيرُ قَفَصي الصَّدْرِيُّ
حَديقةً للحَيَوَاناتِ الْمُنقرِضةِ / والذِّكرياتُ تَخُونُ المزهرِيَّاتِ /
وَكُلُّ الوُجوهِ خَانَت الأندلسَ / تَصيرُ عِظامي جُسوراً مِنَ الكَهْرمانِ في
مُدُنِ الملاريا / والدَّمْعُ بِطَعْمِ الشُّوكولاتةِ / وتَبكي الفَتَياتُ في
بِداياتِ الخريفِ نِهاياتِ الصَّدى / لَم تَرْجِعْ سُفُنُ الصَّيْدِ إلى رَصيفِ
المِيناءِ / الجماجمُ على جُدْرانِ شَراييني/ والهياكلُ العَظْمِيَّةُ عَلى أرصفةِ
المطَرِ/ فَابْحَثْ عَن أدغالِ الموْجِ في أضرحةِ الذبابِ الرُّخامِيَّةِ / وَلا تُسَاعِد
الفَراشةَ حِينَ تَسْقُطُ عَلى رُخامِ صَالةِ الرَّقْصِ /
الحطَبُ الأخضرُ زِيرُ
نِساءٍ مُتَسَلْسِلٌ / فَاحْفَظْ جَدْولَ الضَّرْبِ لِتَعْرِفَ أرقامَ الزَّنازينِ
وأرقامَ الرَّاقصاتِ وأرقامَ الضَّحايا وأرقامَ القُبورِ / وَطَنٌ مَنذورٌ
للأرقامِ / فَلا تَكْرَهْ أُستاذَ الرِّياضياتِ / وَكُنْ رَقْماً عَلى بَابِ قَلبي
/ لأعْرِفَ رَقْمَ زِنزانتي / قَلبي هُوَ زِنزانتي / وَصُورةُ أبي عَلى حَائطِ
البَحْرِ في زِنزانتي الانفرادِيَّةِ / وَجَدائلُ النِّساءِ تَتوهَّجُ بَيْنَ
أبراجِ الْمُعْتَقَلِ وأبراجِ الكَنيسةِ /
يَرْقُصُ البَحَّارةُ في السُّفُنِ الغارقةِ
/ إِنَّها رَقصةُ المذبوحين / وحَلاوةُ الرُّوحِ / إِنَّها الرَّقصةُ النِّهائيةُ
مِنْ شِدَّةِ الألَمِ/ جُرحي بُرتقالةٌ يَقْطِفُها عُمَّالُ المناجمِ/ قَبْلَ أن
يَموتوا اختناقاً تَحْتَ الأرضِ/ عِشْنا تَحْتَ الأرضِ/ وَمُتْنا تَحْتَ الأرضِ /
نَزيفي غابةٌ يَمُوتُ فِيها العَبيدُ / بَعْدَ أن يَحْفِرُوا قَناةَ السُّويس /
وَالنَّوارسُ في لَحْمي تَحْفِرُ مَجْرَى النَّهْرِ في أشلائي / فاتْرُك الألغامَ
في شَراييني المفتوحةِ في حُفَرِ المجاري / صَاعِدُونَ يَا شُموعَ الْمَنْفَى إلى
مَنْفَى الشُّموعِ / الدَّمْعُ مَخزونٌ إستراتيجيٌّ في خِيَامِ المجزرةِ/ وحَدائقُ
الصَّدى تُهاجِرُ مِن أظافري إلى أجفاني/ قَلْبي هُوَ الاحتضارُ الطازَجُ /
وأجسادُ الفُقراءِ هِيَ الصَّابونُ الأسْوَدُ في مُسْتَوْدَعَاتِ الرَّقيقِ
الأبيضِ / جُثةٌ تَتناولُ طَعَامَ الغداءِ مَعَ أكفاني المغسولةِ بالرَّصاصِ
الْمَطَّاطِيِّ / كَافتيريا الْمَذْبَحَةِ / والعَشاءُ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ /
قَبْلَ أن يَكْسِرَ الطوفانُ زُجاجَ الْمَطْعَمِ / في ليالي الْحُبِّ الضَّائعِ /
والنُّعوشُ
مُزَيَّنةٌ بالأزهارِ الصِّناعِيَّةِ / فَكُنْ تَاريخَ الذَّبْحِ بَيْنَ النِّعاجِ
والمِكياجِ /
جُثماني سَفينةُ
الثلجِ تُضافُ إلى الأُسْطُولِ الْمَلَكِيِّ في نَشيدِ الدِّماءِ / جِهَاتُ
الاحتضارِ / وَتَنْشُرُ اللاجئاتُ الغسيلَ بَيْنَ قَارورةِ الحِبْرِ وقَارورةِ
السُّمِّ / والنَّهْرُ يَجْلِسُ عَلى مَكْتَبِهِ / ويَكْتُبُ قَصيدةَ رِثاءٍ
للنَّخيلِ / أَشْرَبُ مَعَ أسماكِ القِرْشِ الشَّايَ البَارِدَ كَدُموعي السَّاخنةِ
/ وفي أضرحةِ المطرِ يُولَدُ صُراخُ الأعشابِ الْمُبَلَّلةِ بالذِّكرياتِ / وفي أوْرِدَةِ
الشَّفَقِ يَنبعثُ ضَوْءُ الاحتضاراتِ /
انْصِبي لِي يا أشِعَّةَ القَمَرِ فَخَّاً /
لَن يَهْرُبَ الفَأْرُ مِنَ السَّفينةِ / سَيَغْرَقُ الفَأْرُ مَعَ السَّفينةِ
التي أحَبَّها وَخَانَتْهُ / فاتْبَعْ ضَوْءَ الاحتضارِ في آخِرِ نَفَقِ الرُّوحِ /
سَتَأتي عَرَباتُ نَقْلِ الموتَى مِنَ الطفولةِ الضَّائعةِ/ أركضُ في الخريفِ السَّحيقِ/
وَالبُكاءُ يَحْقِنُ شَراييني بالخفافِيشِ/ أجفاني أرشيفُ الضَّحايا/ وسُعالي
هُدنةُ أُمَراءِ الحروبِ / كُلُّنا أمواتٌ / لكنَّ الأكفانَ فارغةٌ / كُلُّنا
حُرَّاسٌ للقُصُورِ الرَّمْلِيَّةِ / لكنَّ الدَّولةَ مَسروقةٌ /
الغاباتُ والمطابخُ والنُّعوشُ
/ كُلُّها مِن خَشَبِ البَلُّوطِ / ضَوْءُ القَمَرِ يَرْكُضُ في غَابَةِ الدَّمْعِ
/ وَبَيْتُنا المهجورُ في قُرْطُبَةَ قَميصٌ للسَّرابِ / جَسَدي عُلْبَةُ سَرْدين
/ يَفْتَحُها البَحْرُ لِضُيُوفِهِ / ثُمَّ يَرميها على الشَّاطئِ المفتوحِ
لِخَفْرِ السَّواحِلِ / الْمُغْلَقِ أمامَ العاشِقين /
حُزني المصلوبُ عَلى إِشاراتِ
المرورِ أعْلَى مِن جَماجمِ الملوكِ / تَعْشَقُنا غُرَفُ الفنادقِ الرَّخيصةِ في
المدنِ المهجورةِ / يَرْسُمُ الذبابُ خَرَائِطَ البُكاءِ في مَحطةِ القِطاراتِ /
وبَلاطُ السُّجونِ وَشْمٌ للصَّابونِ الْمُخَصَّصِ لأُمَراءِ الحروبِ / فاتْرُك
الكُحْلَ للدَّجاجاتِ الواقفاتِ في طَابورِ الذَّبْحِ / وَجَهِّزْ للمَشْنُوقِينَ
طَعامَ الغداءِ/ إِنَّ الرِّيحَ تَصْلُبُ البَاعَةَ الْمُتَجَوِّلِينَ عَلى أعمدةِ
الكَهْرباءِ/وتَبيعُ اليَتيماتُ العِلْكةَ على إشاراتِ المرورِ / وجُثماني يُضِيءُ
للنَّوارسِ طَريقَها نَحْوَ البَحْرِ المجروحِ عَاطِفِيَّاً /
لَيْسَ لَدَى السَّرابِ مَا يَخْسَرُهُ / فَلا
تَخونِيهِ أيَّتُها الصَّحراءُ / جِيفتي طَاولةُ مُفاوَضَاتٍ بَيْنَ الضِّباعِ
والنُّسورِ / وأجفانُ المطَرِ هُدْنَةٌ بَيْنَ أُمَراءِ الْحَرْبِ / لا مَعنى
للرِّياحِ سِوى جُثماني / فاكْسِرْ ظِلالي / وَاصْعَدْ مِنِ انتحارِ المعنَى
قَصيدةً لأشجارِ المقابرِ/ تَكتبُ مَحَاكِمُ التَّفتيشِ إنجيلَها الدَّمَوِيَّ في
الخريفِ البَعيدِ / وأشلائي تَصيرُ بُرْجاً للمُرَاقَبَةِ / أوْ صَوْمَعَةً
رِيفِيَّةً للفُقراءِ واليَمامِ / يَمتطي الموْجُ حِصَانَ الضَّبابِ / والزَّوابعُ
تَلتهمُ خُدودَ الصَّبايا في طَريقِ القُلوبِ المكسورةِ / قَلبي وَتَدٌ لِخَيْمَةِ
الغريبِ / والْوَثَنِيُّونَ يَأكُلُونَ آلِهَتَهُم بَعْدَ أن يَجُوعوا /
والشُّعوبُ تَأكُلُ مُلوكَهَا في المجاعاتِ /
دَفَنْتُ حُبِّيَ الأوَّلَ
فِي ضَريحي الثاني / وأَلْقَيْتُ التَّحِيَّةَ عَلى العُشَّاقِ العاطِلِينَ عَنِ
العَمَلِ / أُمِّي تَختارُ قُماشَ أكفاني / كَمَا تَختارُ الأمطارُ خَاتَمَ زَواجي
/ دَائِماً يَصِلُ القَتلى إلى مَحطةِ القِطاراتِ مُتَأخِّرِينَ / ويَغْتَصِبُ
كَهَنَةُ الْمَعْبَدِ بَناتِ أفكارِهِم / دَخَلَ زُمُرُّدُ الشُّطآنِ في
الغَيْبوبَةِ / وبِلادي المذبوحةُ يُجْري لَهَا المطَرُ تَنَفُّسَاً
اصْطِنَاعِيَّاً / أنا رُومانسِيٌّ / لَكِنَّ جُثماني في أنابيبِ الصَّرْفِ
الصِّحِّيِّ أكثرُ رُومانسِيَّةً مِنِّي / والرِّيحُ تَصْلُبُ شَاطِئَ الذِّكرياتِ
على ألواحِ صَدْري / وهَذا الْحُزْنُ المجنونُ يَخُونُني / وَيُعَلِّمُني أن
أَلُفَّ حَوْلَ جَوارِحي حِبَالَ المشانقِ / كَرَبطاتِ العُنُقِ للرِّجَالِ
العَاجِزِينَ جِنْسِيَّاً في لَيْلَةِ الدُّخلةِ .