المخابرات والذكريات والحشرات / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.............
بَدويةٌ تكتشفُ شَهْوَتَها الجِنسيةَ في
رِمَالِ الشَّفقِ / نزلَ المطرُ على أعشابِ المقبرةِ / وعِظَامُ الأمواتِ أرشيفُ
الصَّدماتِ العاطفيةِ / دُفِنَت الأسرارُ معَ أصحابِها / وحَفَّارُ القُبورِ
يَنشرُ الغسيلَ على سُورِ المقبرةِ/ هَل تستطيعُ الْمُومِسُ أن تتذكرَ وُجوهَ كُلِّ
الزَّبائن ؟/ أشجارُ المدافِنِ هِيَ كابوسي اللذيذُ/ أهْرُبُ مِنْهُ ولا أَفيقُ
مِنْهُ/ قَضَيْتُ حَياتي هَارباً مِن حَياتي / هارباً مِن حُبِّ حَياتي / فَمَن
أنا ؟/ وأيْنَ أنا ؟ /
أيها الْحُلْمُ المهاجرُ في كَهْرمانِ
المجازرِ / جَهِّز الرايةَ البَيْضاءَ / وكُن نجَّاراً لِتَصنعَ نُعوشَ اليَمامِ /
لا فَرْقَ بَيْنَ مَعْركةِ العِشْقِ وعِشْقِ المعركةِ / لا فَرْقَ بَيْنَ الْحُبِّ
والحربِ / كُلُّنا خاسرون / والموْتُ هُوَ الرَّابحُ / بُكاءُ طِفْلةٍ يأتي مِن
مِدْخنةِ الكُوخِ الباردِ خَلْفَ ثُلوجِ العِشْقِ/ جُثةُ الأُمِّ قُرْبَ
الموْقَدةِ الْمُطفأةِ / والطِّفلةُ تبكي كالحضَاراتِ الْمُنقرِضةِ / تزرعُ
الأمطارُ الصَّفراءُ في خُدودِ الفَتَياتِ نَخيلَ الاحتضارِ / وجَسَدُ اللوزِ مُمَدَّدٌ
على خَشَبةِ المذْبَحِ / أقضي مُراهَقَتي المتأخِّرةَ في ثلاجةِ الموتى /
وأُعَلِّقُ بَراويزَ الذِّكرى في غُرفةِ الذبابِ القَتيلِ / أُخَبِّئُ البَنادقَ
الآلِيَّةَ في سَقْفِ حَلْقي / وأنا الضَّريحُ الباكي / رُموشي هِيَ أدغالُ
الصَّدماتِ العاطفيةِ / وَكُرَياتُ دَمِي الشَّقراءُ حُبُوبٌ مُنَوِّمةٌ قُرْبَ سَريرِ
الشَّجرِ المذبوحِ /
لماذا يَبُوحُ الزَّبَدُ بأسرارِ البَحْرِ ؟/
امرأةٌ وَحيدةٌ على أُرجوحةٍ وَحيدةٍ في حَديقةٍ وَحيدةٍ/ هَذِهِ بَقايا الْحُلْمِ
الضائعِ/ أجفانُ الفَتياتِ مَكْسورةٌ كأعوادِ المشانقِ / والأسرارُ العاطفيةُ
مَدفونةٌ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ / يُولَدُ الشِّتاءُ في أقاصي القَلْبِ الحزينِ /
وتنتهي حِكاياتُ العِشْقِ في مِلَفَّاتِ البُوليسِ السِّياسيِّ / وَكُلُّ مَعاطِفِ
البَجَعِ لها نَفْسُ رَائحةِ دَمي / ونَفْسُ أزرارِ قَميصي / دُمُكِ يا أُمِّي
يُنادي عَلَيَّ في ليالي الخريفِ البَعيدِ/ خَسِرْتُ في الْحُبِّ والحربِ/ لكنَّ
جُثماني مُسَجَّىً على عَرَبَةٍ عَسكريةٍ/
والرُّعودُ
التي أقامت الحواجزَ العَسكريةَ في أزِقَّةِ شَراييني هِيَ صُورتي / وأنا بِلا
صُورةٍ / لَيْسَ لِقَلْبي زَمَانٌ سِوى أعوادِ المشانقِ / لَيْسَ لأشلائي مَكانٌ
سِوى مَنافضِ السَّجائرِ /
تَحْتَ طِلاءِ أظافِرِ الفَتَياتِ تُولَدُ
حُقولُ القَمْحِ / وأنا قَد نَسيتُ قَلْبي في مَكانٍ مَا / فاتركُوا العُشْبَ
يَنْقُشُ صُورةَ أُمِّهِ على الرِّياحِ وَشْماً للطوفانِ القادمِ/ تَنُّورةُ
لاعبةِ التِّنسِ تَليقُ بالحِدَادِ على البَحَّارةِ الغرقى / وشُقوقُ جِلْدي
مُسْتَوْدَعَاتٌ لِحِبَالِ المشانقِ الْمُسْتَعْمَلَةِ / يُولَدُ وَرَقُ الخريفِ
في نِهاياتِ الْحُبِّ الحزينةِ / وَدِمَاءُ الأقمارِ تَسيلُ بَيْنَ قَميصِ عُثمانَ
وَشَعْرةِ مُعاوية / وَرَّثني أبي انكسارَ عَيْنَيْهِ / وَمَا أخذتُ بِثَأْرِهِ مِن
صَنوبرِ المقابرِ/ وَالأكفانُ البيضاءُ غَطَّيْتُ بِها أثاثَ بَيْتِنا المهجورِ /
فَكَيْفَ أتنفسُ يا قاتلتي والرَّعْدُ يَغْرِسُ الخناجرَ بَيْنَ الرِّئتَيْن ؟/
وُلِدْتُ ضَاحكاً/ وَحِينَ كَبُرْتُ تَعَلَّمْتُ البُكاءَ / أمشي في غَابةِ
البُروقِ وَحيداً / وَكُلما مَشَيْتُ في ذَاكرةِ الغُصْنِ المكسورِ / تناثرتْ
شَظايا قَلبي في حُقولِ الزُّمردِ/ وأسألُ رَمْلَ البَحْرِ/ مِن أيْنَ سَتأتي
الرَّصاصةُ ؟/ ماتتْ عازِفةُ البيانو تَحْتَ المطرِ / فما فائدةُ الرُّومانسيةِ
والملِكَاتُ سَبَايا في قَصْري الرَّمْلِيِّ ؟ /
كُلما
اشتعلتْ ذِكرياتي مَاتتْ / وَتَرقصُ الإِمَاءُ أمامَ الخليفةِ قَبْلَ فَضِّ أغشيةِ
البَكارةِ / صَارَتْ خَشَبةُ المسْرحِ خَشَبةً للإِعدامِ / وَاحترقَ الخشَبُ في شَهيقِ
النِّساءِ / وَمَاتَ الْمُمَثِّلون / سَقَطَت الوُجوهُ / سَقَطَت الأقنعةُ / أزرعُ
دِمائي في جَدائلِ النِّساءِ / ولا أعْرِفُ مَن الذي سَيَحْصُدُ / وَعَلَيَّ أن
أهْرُبَ مِن قَلبي / أن أَظَلَّ هَارِباً في مَمالكِ الطاعون / وكما أنِّي
أحْبَبْتُكِ وَحيداً / سَأمشي إلى قَبري وَحيداً / كأنَّ أضواءَ السَّياراتِ في
ضَبابِ الرُّوحِ ذِئابٌ / تَهْجُمُ على مُعَسْكَرَاتِ الذاكرةِ /
ونوارسُ
الْجُرْحِ تَنْقُرُ دُموعَ الرَّاهباتِ / على قُمصانِ النَّوْمِ العَمْياءِ /
وَحْدي في ليالي الشِّتاءِ / أحتفلُ بِيَوْمِ اغتيالي كَقَبْرٍ يَتساقطُ في كُوبِ
اليانسون / انتظرتُ الأسماكَ كَي تَخْرُجَ مِنَ الشَّفَقِ / وَتَزُورَ أشلائي على
سُورِ مَدْرستي القديمةِ / لكنَّ أحَداً لم يَأْتِ / ما أصْعَبَ أن تَنتظرَ
حُلْماً لا يَأتي /
أركضُ إلى جُثتي / وجُثتي تَركضُ في بَطْنِ
نَسْرٍ أعمى / أنا القَمَرُ الغريبُ / أنا شَمْسُ الغربةِ / لكني أعشقُ شَمْسَ
الخريفِ/ لأنَّ الموتَ هُوَ الوِلادةُ / سَيَكُونُ الطوفانُ هُوَ الْمُخَلِّصَ /
وَدَمْعُ النِّساءِ في لَيْلِ الشِّتاءِ هُوَ الخلاصَ / دَرَسْتُ جُغرافيا القلوبِ
المكسورةِ / لَكِنِّي مُؤَرِّخُ الْحُبِّ الضائعِ / وَكُلما خَزَّنت الذِّكرياتُ
بَراميلَ البارودِ في المزهرياتِ / اقتربتُ مِن أحزانِ أُمِّي / وَهِيَ تستلمُ
جُثةَ أبي عَلى رَصيفِ المِيناءِ/ سَيَنْمو الكَرَزُ عَلى جُدْرانِ شَراييني/ وَتُصبحُ
أجسادُ النِّساءِ خَارطةً للأحلامِ الضَّائعةِ / وَيُصبحُ الليلُ بُوصلةً لِرَمْلِ
البَحْرِ بَعْدَ انتحارِ الرُّبَّان / تَضحكُ الحضَارةُ على نَفْسِها أمامَ
مِرْآةِ التَّجاعيدِ / كُلما بَحَثْتُ عَن ذَاتي قَتلتُ ذَاتي / فيا سَيِّدتي
المِقْصلة / تَقتلينَ نَفْسَكِ أثناءَ بَحْثِكِ عَن نَفْسِكِ/ يَنمو الفِطْرُ
السَّامُّ بَيْنَ ضَفائرِ البَناتِ/ والدُّوَيْلاتُ اللقيطةُ تَرفعُ أعلامَهَا في
دَمِ الحيْضِ /
بَيْنَ الاحتضارِ وفِرَاشِ الموْتِ تُولَدُ
السَّنابلُ/ نَموتُ في المعركةِ لِيُرَكِّزَ الآخَرُونَ في لَيْلةِ الدُّخلةِ /
وأنا العريسُ الأنيقُ / أُصْلَبُ على مَزْهرياتِ الحقولِ الضَّوئيةِ / وشَظايا
قَلبي يُفَرِّقُها الموْجُ بَيْنَ أكوابِ اليانسون / عَلى طَاوِلاتِ سَيِّداتِ
المجتمعِ المخمليِّ / تتكسَّرُ سُيوفُ الشَّفَقِ عَلى لَحْمِ الغروبِ / والرُّخامُ
يُحَنِّطُ خُطواتِ السَّبايا / اللواتي مَرَرْنَ على هَذهِ الأرضِ المحروقةِ /
تَحْرِقِينَ هذا الجسَدَ اللوزِيَّ في ثِيابِ الحِدَادِ الأبَديةِ / ونِساءُ
الغزاةِ الذينَ قَتَلوا الْحُسَيْنَ / يَشترينَ قُمصانَ النَّوْمِ في سَراديبِ
نِكاحِ الْمُتعةِ / وأعمدةُ الكَهْرباءِ في مُدنِ الملاريا مَنقوعةٌ في كُرياتِ دَمي
/ نَسِيَت الشَّوارعُ لَوْنَ دَمي / والشَّاحناتُ تَسيرُ في شراييني / لكنها لا
تتوقفُ عِندَ إشاراتِ المرورِ / التي نَصَبَها الرَّعْدُ في جُثماني / انتهتْ
صَلاحِيَّةُ أحزاني / لكنَّ حُزْنَ البناتِ يتوهَّجُ وراءَ ستائرِ النوافذِ
الخريفيةِ / الطرقاتُ مَنْسِيَّةٌ/ وَقَلْبي مَكسورٌ/ فَانْسَ الرُّومانسيةَ يَا
صَديقي/ إِنَّ الموْتَ قادمٌ / لا تزرع الذِّكرياتِ يَا صَديقي/ إِنَّ الموْتَ
حَاصِدٌ /نكتبُ أسماءَ قَتْلانا عَلى حَبَّاتِ المطرِ/ وَنَرحلُ عِندَ الفَجْرِ /
جِئْنا أغراباً / وَعُدْنا أغراباً / لا الشَّمْسُ اعترفتْ بِوُجوهِنا / ولا
القَمَرُ اعترفَ بِجَدائلِ نِسائنا /
لَو كانَ حَبْلُ مِشْنقتي يَغْسِلُ
عَيْنَيْكِ مِن الْحُزْنِ / لَفَرَشْتُ حِبَالَ المشانقِ على حِبَالِ الغسيلِ /
فَوْقَ سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ / وَنَصَبْتُ المشانقَ في شَوارعِ قلبي المهجورِ
/ سأظلُّ غامضاً كابتسامةِ الزَّوْجةِ الخائنةِ في ليالي الكُوليرا / فلا تَكْرهي
أحزانَ الفَراشاتِ / قد تُصبحُ لَيْلةُ الدُّخلةِ مَجزرةَ الضَّفائرِ الذهبيةِ/
قَد تُصبحُ الرُّومانسيةُ جُزءاً مِن سَرَطانِ الثَّدْيِ/ فاقْتُليني طَيْفاً كَي
تَذْكُرِيني مَطَراً / ذِكْرياتُ الطَّيْفِ المهاجرِ أجْمَلُ مِن ذِكْرياتِ الجثةِ
الرَّماديةِ / وَحيدٌ أنا كَدُموعِ أبي السِّريةِ / حَزينٌ أنا كَمِعْطَفِ أُمِّي
في مَساءِ الحِدَادِ /
أُعيدُ صَلْبَ يَهوذا الإسْخَرْيُوطِيِّ /
وأمشي في مُدُنِ الهزيمةِ / ويَتفرَّقُ دَمي بَيْنَ القبائلِ / تابوتي يَلْمَعُ
تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ / والبَقُّ يأكلُ بَراويزَ الذِّكرى على جُدْرانِ
بَيْتِنا المهدومِ / أرى جُثْمانَ الفَراشةِ يَجُرُّهُ حِمارٌ وَحْشِيٌّ / ولا أرى
أقواسَ النَّصْرِ / وباعَ الأيتامُ أكاليلَ الغارِ في سُوقِ الخضارِ/
أيها النَّجارُ الماهرُ في زَخْرفةِ
النُّعوشِ/ أنا طَيْفُكَ المنبوذُ/ أنا الحدُّ الفاصلُ بَيْنَ الجثثِ المتفحِّمةِ
والدُّموعِ المتجمِّدةِ في ليالي الشِّتاءِ الحزينةِ / لا تَبْحثي عَنِّي أيتها
اللبؤةُ العَمْياءُ / قَد مِتُّ مُنذُ قُرون/ وأنا الشَّبحُ الْمَنْسِيُّ في
حُقولِ الجماجمِ الزُّمرديةِ / دَمي عَاطلٌ عَن العَمَلِ / وأنا عَاطِلٌ عَن
الْحُزْنِ / وجارتي التي هَرَبَتْ مِن حَرْبِ البَسُوسِ / تَنْشُرُ الغسيلَ على
أجنحةِ العصافيرِ النَّحيلةِ / وَتُحْصي جُثثَ الفُرْسانِ على أسلاكِ الكَهْرباءِ
/ أمشي إلى أضرحةِ آبائي / فلا تَبْحثي عَن أشلائي أيتها الشَّمْسُ / لَسْتِ
وَصِيَّةً عَلَيَّ / نَسِيَ الجنودُ جَوارِبَهُم في المعركةِ وهَرَبُوا / وَالفُقراءُ
يَمُوتونَ في المعاركِ / كَي يَبْنِيَ الأغنياءُ على جُثَثِهِم اتِّفاقياتِ
السَّلامِ / كُلما ظَهَرَ يَهوذا الإِسْخَرْيُوطِيُّ / كَسَرَ البَرْقُ صَليبَ الخِيانةِ
/ وَكُلما ظَهَرَتْ مَاري أنطوانيت / جَهَّزَ الرَّعْدُ مِقْصَلَتَهَا /
كُنْ تاجِرَ فَوَاكِهَ في أسواقِ الرَّقيقِ
الأبيضِ / دَمِي سَلَطَةُ فَوَاكِه / وَشَراييني بِطَعْمِ الجوَّافةِ / وحَبْلُ
مِشْنَقَتي بِطَعْمِ الأناناسِ / فِرَاقٌ قَبْلَ الفِرَاقِ/ انتحرتْ عازفةُ
البيانو في لَيْلةٍ مُقْمِرَةٍ / الشُّرفاتُ مُجَلَّلةٌ بالستائرِ الرماديةِ /
والرَّمادُ طَريقُ الحمَامِ نَحْوَ قَوْسِ قُزَحَ / سَتَصْطَادُ العَانِسُ رَجُلاً
قُرْبَ جُثتي / والقَراصنةُ يَبْحَثُونَ عَن الكُنوزِ في مَنْجَمِ أوْرِدتي / فلا
تحزَنْ إِذا خَانتْكَ البُحَيْرةُ في شُرْفةِ الخريفِ / ولا تَقْلَقْ إذا
خَدَعَتْكَ رَاياتُ القبائلِ /
مَن
يَدْفَع للرَّاقصةِ يَفْرِضْ عَلْيها الرَّقصةَ / فَلْتَرْقُص أشجارُ الصَّنوبرِ حَوْلَ
ضَريحي / وَادْفَعْ لِحَفَّارِ قَبْرِكَ / كَي يُزَيِّنَ الغاباتِ حَوْلَ قَبْرِكَ
في عِيدِ اليتامى / أطلالُ بَيْتِنا في الأندلسِ هِيَ أقواسُ النَّصْرِ / حَيْثُ انتصرَ
البَعوضُ الأُرجوانِيُّ عَلى جُلودِ السَّبايا / رَائحةُ الموْتِ في خُدودِ
الأطفالِ / وَالصَّدماتُ العَاطفيةُ دُفِنَتْ مَعَ القَتيلاتِ في مَدافنِ الذِّكْرياتِ/
وَرَاياتُ القَبائلِ غَطَّيْتُ بها مَزْهرياتِ كُوخي المهجورِ / وَالنَّوارسُ تُرْشِدُ
أُمِّي إِلى قَبْرِ أبي /
يَا
حُسَيْنُ / أأنتَ قُلْتَ للرِّجالِ أن يُؤَجِّرُوا نِساءَهُم في نِكاحِ الْمُتعةِ؟!
/ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ / أأنتَ قُلْتَ
للأُمَوِيِّينَ أن يَشْتُمُوا عَلِيَّاً ؟!/ سَوْفَ يَخُونُني السَّرابُ كَمَا
خَانَكُما/ كُلُّ قَطْرَةِ مَطَرٍ تَحْمِلُ جُثَّةَ بَحَّارٍ / وَالْخُلفاءُ يُضَاجِعُونَ
الجواري تَحْتَ المطرِ / وأنا أُمَجِّدُ الموْتَ قَبْلَ أن أموتَ / كُلُّ ذِكْرياتي
قُصورٌ رَمْلِيَّةٌ / دَخَلْتُ في مَدارِ الاحتراقِ بَعيداً عَن خَطِّ الاستواءِ /
ولم أتوقَّعْ أن أحترقَ وَعُودِي أخضرُ / لَكِنِّي صِرْتُ بَعْدَ إِعْدامي
أُسطورةً / سَوْفَ يَعُودُ الطِّفْلُ إِلى جُثةِ أُمِّهِ في مَساءٍ غَامضٍ / وأنا أصعدُ
إِلى سَطْحِ كُوخي / لأرْفَعَ الرَّايةَ البَيْضاءَ تَحْتَ النيازكِ / التي
تُضِيءُ شَاهِدَ قَبْري /
سَلامٌ على الفَراشةِ التي أخَذَتْ قَلْبي
مَعَها وَماتتْ / تزوَّجت الراهبةُ ضَابِطَ المخابَراتِ في عُرْسِ تاجرِ المخدِّراتِ
/ أنا الغريبُ في مَتاهةِ حُروبِ القَبائلِ / لا زَمانٌ لأحزانِ أبي / وَلا مَكانٌ
لِدُموعِ أُمِّي/ أيُّها الْحُلْمُ المنبوذُ/ تعيشُ غَريباً وتموتُ غَريباً / لا مَصيرٌ
مَجْهُولٌ / ولا شَاهِدُ قَبْرٍ / فيا عُشَّاقَ انكساري / هَذهِ ظِلالُ أعْمِدةِ
الكَهْرباءِ على جُثثِ الطرقاتِ / وَجِسْمي طَاوِلةُ بِلْياردو لِفِئرانِ
السَّفينةِ / أنا أكثرُ مِن جُثةٍ / وأراملُ الجنودِ يَنْتَظِرْنَ النُّعوشَ في
دُموعِ الثلجِ /
فَلْنَسْرِق الشَّعْبَ كَي تتعزَّزَ مَسيرةُ
الدِّيمقراطيةِ/ في هَذا الْحُزْنِ المفتوحِ عَلى كُلِّ احتمالاتِ اللازَوَرْدِ /
تَدْهَنُ النِّساءُ حُفَرَ المجاري بأثدائهِنَّ / ويُباعُ الرَّقيقُ الأبيضُ في
مَتاجرِ الشُّوكولاتةِ السَّوْداءِ / تَصيرُ الحضَارةُ دُمْيةً في مَسْرَحٍ
للعَرائسِ / وتَنطفِئُ خُدودُ النِّساءِ في صُحونِ المطبخِ / وتتلوَّنُ إعلاناتُ
الكُحولِ بِدَمِ الحيْضِ /
الملوكُ اللصوصُ / والبغايا المتقاعِداتُ /
وامرأةٌ تتلقَّى دُروساً خُصوصيةً في الخِيانةِ الزَّوْجيةِ / والهياكلُ
العَظْميةُ مَنْسِيَّةٌ في قَاعةِ الرَّقْصِ/ وَعَصافيرُ المشانقِ تَرقصُ على
قُضْبانِ قَفَصي الصَّدْرِيِّ/ سَيَفرحُ الفُقراءُ حِينَ تأتي حَافلةُ النَّقْلِ
العام / وأشجارُ حَديقتي تتناولُ حُبُوبَ مَنْعِ الحمْلِ / والحمَامُ الزَّاجلُ
يَتشمَّسُ في أسْمنتِ أوعيتي الدَّمويةِ / لُدِغَت الحضَارةُ مِن نَفْسِ الْجُحْرِ
مَلايينَ المرَّاتِ / وتاريخُ البَعُوضِ يَغسِلُ في المراحيضِ أيدي الملِكاتِ / أنا
الملِكُ الْمُتَوَّجُ على أنقاضِ بَيْتِنا / تَرْسُمُ لِيَ البُروقُ خارطةً /
لأعْرِفَ مَوْقِعَ ضَريحي في غابةِ الأضرحةِ البلاستيكيةِ /
الزَّوابعُ هِيَ جُلودُ النِّساءِ
الْمُغْتَصَبَاتِ / أُمٌّ وَابْنَتُها تَدْرُسَانِ أساليبَ الخِيانةِ الزَّوْجيةِ /
وَنُهودُ الفَراشاتِ اسْتراحةٌ صَحراويةٌ لِسَائقي الشَّاحناتِ / وَنَوْبَاتُ
اكتئابي مَزْرَعةٌ لأجنحةِ الجرادِ / دَمُكِ يُنادي عَلَيَّ مِن أعماقِ الغروبِ /
دَمْعُكِ القُرْمُزِيُّ يَسيلُ عَلى أظافري النُّحاسيةِ / ارْتطمَ المطرُ بالدِّيدانِ
التي تُزَيِّنُ قَبْري / كَسَرَ الرَّعْدُ الأعشابَ التي تنمو على قَبْري / وَكُلُّ
امرأةٍ لَها نصيبٌ في أخشابِ تابوتي / وأنا لا أمْلِكُ نفْسي / جُثتي أرضٌ مَفتوحةٌ
للضِّباعِ / وَخُيوطُ أكفاني مَحْكَمةٌ عَسكريةٌ للبَعوضِ / سَتَنمو الرَّسائلُ
الغراميةُ في سَرَطانِ الثَّدْيِ كالسَّنابلِ / وَيَحترقُ خَشَبُ التوابيتِ في زَفيرِ
الصَّبايا / وَالرِّيحُ رَفَضَت استلامَ جُثةِ الشَّفَقِ / أحْفِرُ انتحاراتي في عِظامِ
الغروبِ / كَي أرى شَمْسَ قَلْبي تَحْتَ شَمْسِ الخريفِ / أحْفِرُ خَنادقَ
البُكاءِ في أعاصيرِ رِئتي / كَي أرى الشَّمْسَ في لَيْلِ العُشَّاقِ / كُلما
مِتُّ تحرَّرتُ مِنَ الموْتِ / وَيُشْحَنُ الجنودُ في البَواخرِ كالأغنامِ /
نَسِيَ الجنودُ أرضَ المعركةِ / وَصَارُوا يَحْفِرُونَ القُبورَ / سَتُحَدِّقُ
السَّبايا في وُجوهِ الأسرى / وَجُلودُ السُّجناءِ تَصْلُبُ الكِلابَ البُوليسيةَ
عَلى أبراجِ الْمُرَاقَبَةِ / وَجَدائلُ الرَّاهباتِ مَنْقُوعةٌ في عَصيرِ
البُرتقالِ / الذي نَسِيَهُ العُشَّاقُ في كافتيريا المجزرةِ / وَرَحَلُوا /
وَالعَناكبُ تَسْبحُ في شَراييني / سَتُولَدُ غابةُ الياقوتِ في مَمالكِ الطاعونِ
/ وَلَن يُفَرِّقُ الرِّجالُ بَيْنَ أعقابِ السَّجائرِ وأعقابِ البَنادقِ/ وَلَن
تُفَرِّقَ العَرائسُ بَيْنَ لَيْلةِ الدُّخْلةِ وَسِفْرِ الخروجِ /
أنا جُثتان
/ لَكِنِّي شَبَحٌ وَاحِدٌ بِلا قَلْبٍ / نَسيتُ قَلْبي عَلى سُورِ المقبرةِ / وَاختلطتْ
عُروقي النُّحاسيةُ بِحَديدِ بَوَّابةِ المقبرةِ / وَكَانَ حُلْمي أن أكونَ مُهَنْدِسَاً
مِعْمَارِيَّاً / لأُصَمِّمَ شَواهِدَ القُبورِ / واليَتيماتُ يَنْشُرْنَ الغسيلَ
على أشجارِ الصَّنوبرِ في المقابرِ الجماعيةِ/ خُدودُ النِّساءِ مُسْتَوْدَعٌ
لِصَوْتِ الرصاصِ / وَعَمُودي الفِقرِيُّ مَخْزَنٌ للأسلحةِ / نعشي مَرْفأُ
اليمامِ / والنَّوارسُ تَكتبُ أسماءَها على عِظامِ الغرقى / وَقِصَصُ الْحُبِّ
مَدْفونةٌ تَحْتَ رِمالِ الشَّاطئِ / سَيَبْني الأيتامُ قُصُورَهُم الرَّمْليةَ في
حَنجرةِ الغروبِ / لِيَهْدِمَهَا الموجُ في ليالي الملاريا / فيا أنا / نَحْنُ
غَريبان / ضَلَّ الحمَامُ الزَّاجلُ طَريقَهُ / والفَتَياتُ الْمُغْتَصَبَاتُ
يَصْرُخْنَ في كُهوفِ الحضَارةِ / والموجُ يَزْرَعُ الحواجزَ العَسكريةَ بَيْنَ
ظِلالِ الأشجارِ وَظِلالِ الأمواتِ / والفِئرانُ تَجُرُّ نُعوشَ الجنودِ / أنا
آخِرُ القَتْلى الرُّومانسِيِّينَ في هذا العالَمِ المجنونِ / والمحارِبُ يَقْضي
استراحَتَهُ في عَزْفِ البيانو / أرْقُصُ في مَأْتَمِ الظِّلالِ / وَتَصيرُ أشلائي
عَشَاءً على ضَوْءِ الشُّموعِ .