عطر زوجة المهرج / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
..............
لَم نَعِشْ حَياتَنَا / عِشْنا مَوْتَنا /
نَقضي وَقْتَنا نُصَحِّحُ أخطاءَ آبائِنا / فَيَفُوتُنا القِطارُ / ولا نرى
وُجوهَنا خَارِجَ أرشيفِ الذبابِ الأزرقِ / أَدفعُ ضَريبةَ البَحَّارةِ الغرقى /
لأُصادِقَ مَناديلَ الوَدَاعِ في الموانئِ المهجورةِ/ لَن أسْمَحَ لِقَلْبي أن يُدَمِّرَ
حَياتي/ سَأمنحُ بُرتقالَ الذِّكرياتِ شَرَفَ تَصْفيتي جَسَدياً/ والقَمرُ
يَحْرِقُ الجثثَ في مُدُنِ الطاعون / وأشجارُ السَّرْوِ تُظَلِّلُ شَواهِدَ القُبورِ
النُّحاسيةِ / مَاتت الرُّومانسيةُ / وَدَمُ الحيْضِ يَسيلُ في حُفَرِ المجاري /
اقْتَلَعَ البَرْقُ أثداءَ النِّساءِ / والأطفالُ يَلعبونَ بالجثثِ المجهولةِ /
نَصَّبَني الغبارُ مَلِكاً على الحطَبِ / فَصِرْتُ بِروازاً فارغاً فَوْقَ
مَوْقَدةِ كُوخي / والأضرحةُ تَغزو شَوارِعَ الْهَلْوَسةِ / التي تَزدحمُ بِصُوَرِ
الخليفةِ غَيْرِ الشَّرْعِيِّ / سَيَفتخرُ اللصوصُ بِالوَحْدةِ الوَطَنيةِ /
وَسَوْفَ أفتخرُ بِذَوَبانِ حَبْلِ مِشْنقتي في عَصيرِ الليمون /
يا أيتها الأجراسُ التي
يَقْرَعُها بُكاءُ الرَّاهباتِ الْمُغْتَصَبَاتِ / في كَنائسِ القُرونِ الوُسْطَى
/ إِنَّ صَمْتَ الأمواجِ هُوَ ذاكرةُ سُورِ المقبرةِ / جُثماني هُوَ الهدوءُ /
وظِلالي هِيَ العاصفةُ / وأنا الهدوءُ الذي يَسْبِقُ العاصفةَ / وبُكاءُ حَارسةِ
قَبْري هُوَ حُبُوبُ هَلْوسةٍ للدِّيدان / والرِّياحُ تَزرعُ الْخَشْخاشَ في
أجفانِ البُحيرةِ/ وأنا الحاصدُ لا الزَّارعُ/ جاءت رُوحي كَي تَحْصُدَ/ ولم
يَجِئْ جَسَدي كَي يَزرعَ/
نزلتُ عَن الصَّليبِ/ وَكَسَرْتُ
الصَّليبَ / ترفضُ وَجْهي قِطاراتُ الشَّفقِ التي تذهبُ ولا تَعودُ/ التَّذاكرُ
مَجَّانيةٌ في مَحطةِ الأمواتِ/ والأسماكُ تمشي عَلى ضَفائرِ الرِّيحِ كمرايا
زَوْجةٍ خَائنةٍ/ فيا أيتها القِطةُ الْمُشَرَّدةُ التي تَحرسُ قَبري / إِنَّ
أعشابَ المقبرةِ تسألُ عن سِيرتِكِ الذاتيةِ / شَاهِدُ قَبْري قِطْعةُ شُوكولاتة /
تَذوبُ بَيْنَ صَوْلجانِ الملوكِ اللصوصِ ونشيدِ الملِكاتِ السَّبايا / أكلَ
البَقُّ أثداءَ النِّساءِ / فاشْكُرْ حُكومةَ الوَحْدةِ الوَطَنيةِ /
إلى اللقاءِ يا زَهْرةَ
الوَحْلِ/ السَّلامُ عَلَيْكِ أيتها الأرضُ المحروقةُ/ امرأةٌ تُصافِحُ
مُغتَصِبَهَا بِحَرارةٍ/ وقَاتِلٌ يُعلِّقُ صُورةَ قَاتِلِهِ على حِيطانِ المساءِ
/ والقَتلى يَشربونَ اليانسونَ في أغاني الرَّمادِ / حَزينٌ أنا كأنَّ مَحاكمَ
التَّفتيشِ مَنثورةٌ في رُموشي / وَحيدٌ أنا كأنَّ بُكاءَ النِّساءِ يَسيلُ على
أصابعي في ليالي الشِّتاءِ/ وَجَدَ المطرُ جُثةَ أُمِّهِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ/
وحَضارةُ الزَّبدِ خَرَجَتْ ولم تَعُدْ/ والبَجَعُ المنفيُّ هُوَ أرشيفُنا
السِّريُّ في مَكاتبِ البُوليسِ السِّياسيِّ/ امرأةٌ ضَاحكةٌ زُفَّتْ إلى
السِّمسارِ الذي اشتراها / وأنا الباكي في أناشيدِ اليَمامِ/صِرْتُ أكثرَ شُهرةً
مِن مُضَادَّاتِ الاكتئابِ/ يَرقصونَ لكنهم لا يَعرفونَ لماذا يَرقصونَ/ وأُغنيةُ
الوَخْزِ اليتيمةُ هِيَ مَوْعِدٌ غامضٌ / بَيْنَ مُومسٍ مُحْتَرِفَةٍ وشَابٍّ
مُبْتَدِئٍ /
تَقَدَّمْ يا أجْمَلَ الموتى على السَّجادِ
الأحمرِ / الدَّوْلةُ إِسْطَبْلٌ للأميراتِ / والشَّعْبُ كِلابُ حِراسةٍ لِقُصورِ
الجماجمِ / سَوْفَ تَكْسِرُ الأمطارُ الصَّوْلَجانَ / فلا تَخَفْ مِن سِنِّ
اليَأْسِ / إِنَّ حياتَكَ كُلَّها سِنُّ اليَأْسِ / يَا حُزني السَّحيقَ / يَا
عَشيقةَ انتحاراتي / يَا أجْمَلَ العُشَّاقِ الفَاشِلِينَ / واقفٌ أنا أمامَ
الأبوابِ الْمُغلَقَةِ/ورُموشي نَفَقٌ بِلا ضَوْءٍ/تَحتلُّ شَوارعَ قَلْبي الحواجِزُ
العَسْكريةُ والقِطَطُ البُوليسيةُ/ والقُرصانُ سَيَعُودُ إلى زَوْجَتِهِ بَعْدَ
شِتاءٍ طَويلٍ / حُكومةُ الحطَبِ عَشيقتي التي تَخُونُني / وتُعلِّمُني الإخلاصَ /
فَلِماذا وَضَعُوا شَاهِدَ قَبْري تَحْتَ الْمُرَاقَبَةِ ؟ /
أغشيةُ البَكارةِ في
مُدُنِ الطاعون / فَكُن رُومانسياً مِثْلَ أرصفةِ الطاعون / جَدائلُ الفَراشاتِ
مُمْتَلِئَةٌ بالطحالبِ / رِئتي مُسْتَوْدَعٌ للقَمْحِ في مِيناءٍ مَهجورٍ /
أتنفَّسُ الحواجِزَ العَسْكريةَ / والبُوظةُ تَدخلُ في ثلاجةِ الموتى / لم أحْضُرْ
حَفْلَ زَواجِ النَّهْرِ / وكانت جماجمُ الراهباتِ تُزَيِّنُ جُدرانَ محاكمِ
التَّفتيشِ / زُورُوا مَوْقِعَ مَذْبَحتي على الإنترنت / يَصيرُ دَمي إِشارةَ مُرورٍ
في شَارعِ الاحتضاراتِ الْمُعَلَّبةِ / والرِّيحُ تَحْفِرُ اسْمَ القُشَعريرةِ على
عِظامِ جُمْجمتي / ستأتي الطعَناتُ مِن أشجارِ المساءِ / وتَموتُ أدغالُ الياقوتِ
في بَراميلِ البارودِ /
اقْتُليني أيتها الفَراشةُ
ثُمَّ ابْكِي عَلَيَّ / خَانني أحِبَّائي / ثُمَّ كَتَبوا قَصائدَ رِثائي / جَدائلُ
الرَّاهباتِ على الصَّليبِ البلاستيكيِّ / وأنا المقتولُ في صُراخِ الشَّفقِ /
فُكُّوا الحِصَارَ عَن عُثمان / لا تَخُونوا دِماءَ الْحُسَيْنِ يا سَماسرةَ
نِكاحِ الْمُتعةِ / رَجلٌ في المِصْعَدِ يتذكَّرُ أُسْرَتَهُ قَبْلَ الاختناقِ /
خُدودُ الأميراتِ مِن الماريجوانا / وعَبقريةُ الرِّمالِ تَصيرُ حُكومةً
للتَّطهيرِ العِرْقِيِّ / هذا دَمْعي عِنَبُ المجازرِ / فاسْكَرْ تَحْتَ أقواسِ
النَّصْرِ في الزِّنزانةِ الانفراديةِ /
يا قَاتِلي / أُهاجرُ
إِلَيْكَ عَارياً مِنَ الأوسمةِ العَسكريةِ / والبَعُوضُ يُشَجِّعُ الأميراتِ في
لَيْلةِ الدُّخلةِ / طَهَارةُ الأحزانِ كَطَهَارةِ بَناتِ القَراصنةِ / فاصْعَدْ
مِن بَريقِ السُّعالِ في شِتاءِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / تَزدادُ الفَراشاتُ
توحُّشاً / وأزدادُ انكساراً / يتزلَّجُ العَاشِقونَ على دَمي في صَالةِ إعدامي /
ويَحتفلُ حَفَّارو القُبورِ بِعِيدِ الْحُبِّ في أنقاضي الزُّمرديةِ / لا وَطَنٌ
يُدافعُ عَن كُحْلِ النِّساءِ / ولا نَشيدٌ وَطَنيٌّ يَخيطُ الأكفانَ للأيتامِ /
إِنَّ دِمائي شَرْعيةُ الكَابوسِ/ وجَسَدُ البَحْرِ بُرتقالةٌ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ
والْمُسَدَّسِ / سَتَصيرُ أجسادُ الفَتَياتِ رَاياتٍ لِسُفنِ القَراصنةِ /
الاحتضاراتُ تُضِيءُ طَريقَ البَحَّارةِ نَحْوَ قاعِ الشَّفقِ / أحلامي يَعيشُها
الآخَرُون / ويَتْرُكُونَ لِي كَوابيسَهُم / يَنتظرُ الفُقراءُ حَافلاتِ النَّقْلِ
العَامِّ في شَوارعِ الملاريا/ وأنتظرُ دَهْشةَ اليتيماتِ اللواتي يَبِعْنَ
العِلْكةَ على إشاراتِ المرورِ / يَحْمِلُ الجرادُ رَاياتِ القبائلِ / وَدُودةُ
القَزِّ تَحْمِلُ على ظَهْرِها جُثمانَ الرِّياحِ /
لَحْمُ البُحَيْرةِ منثورٌ على الرَّصيفِ /
والنَّمْلُ يَبحثُ عَن سَكاكينِ المطْبَخِ / بَعْدِ مَوْتِ الأراملِ في الصُّحونِ
الخشَبيةِ / فيا قَاتِلي المأجورَ / كُن احتضاري لأشْرَبَ الشَّايَ معَ حفَّاري
القُبورِ / يا أحزاني البِدائيةَ /
كُوني مَوْتي النِّهائيَّ لأتشرَّفَ بِلِقَاءِ مَلَكِ الموْتِ /
سَأقْطَعُ حَبْلَ أفكاري
بِخَنجرِ الغَيماتِ / وأذهبُ إلى المشْرَحةِ كي أتأكَّدَ مِن وُجودِ جُثتي / خائفٌ
أنا مِن وَقْعِ أقدامِ الأنهارِ في شِتاءِ الياقوت/ والعَصَافيرُ تتشمَّسُ في
قُماشِ الأكفانِ / سَيَزْحَفُ الصدأُ إلى الأوسمةِ العَسكريةِ / ويَزحفُ الدُّودُ
إلى النُّهودِ / وتَسْبَحُ الأسماكُ في الشَّفقِ المحاصَرِ بغاباتِ البُكاءِ /
وتنكسرُ تِيجانُ البَدَوِيَّاتِ الخارجاتِ مِن بُيوتِ الشَّعْرِ / إلى عُروشِ
الأُسَرِ الحاكمةِ على الجماجمِ / السَّلامُ على جُثمانِ الشَّفقِ / الأحزانُ
المجيدةُ / والألَمُ الشَّاسِعُ / رَكَضَت الذبابةُ إلى فِرَاشِ الموْتِ / وَبَقِيَتْ
رَائحةُ عِطْرِها على المرايا / والتَّوابيتُ مَنْسِيَّةٌ تَحْتَ المطرِ/ أنا
بقايا جُثةٍ تَسبحُ في مَداراتِ الْحُزْنِ / فيا ذِئْبةَ الكَهْرمان / عَرَفْتِ
طَريقَ قَلبي بَعْدَ مَوْتِ قَلبي / يا أيتها الكَاهنةُ المجروحةُ عَاطِفِيَّاً/
سَيَنامُ الجرادُ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ/ أيها الْمَلِكُ الأعمى الذي يُفَتِّشُ عَن
فَرْجِ عَشيقَتِهِ / في ليالي الانقلاباتِ العَسْكريةِ/ لا شَيْءَ يَزدهرُ في
جِلْدي سِوى حَفَلاتِ الشَّنقِ/ورَائحةُ المطرِ في دِمائي/
مُديرةُ أعمالِ
الشَّيطان/ وَكَهَنةُ القُرونِ الوُسْطَى/ فَلْتَمُتْ دِفاعاً عَن الصَّنمِ
الْمُقَدَّسِ / سَتَحْصُلُ بَعْدَ مَوْتِكَ عَلى وِسامٍ / تَتَسَلَّمُهُ
أرْمَلَتُكَ ثُمَّ تتزوَّجُ ابْنَ الجِيران / وَالْمُرَاهِقاتُ العاشقاتُ
يَمْشِينَ في جِنازَتِكَ / ويَكْتُبْنَ الرَّسائلَ الغراميةَ لِلجُنودِ العاطلينَ
عَن العَمَلِ / رَائحةُ عُشْبِ المقابرِ تَلْمَعُ كالخناجرِ / ولم يُمَيِّز
الرُّهبانُ بَيْنَ أجراسِ الكنائسِ وكُرياتِ الدَّمِ الْمُتحجِّرِ / سَيَتْلُو
الأيتامُ النَّشيدَ الوَطَنيَّ بَيْنَ اللصوصِ الصِّغارِ واللصوصِ الكِبَارِ /
وذَلِكَ النَّسْرُ المقتولُ هُوَ قلبي / تعوَّدْتُ على الموْتِ حتى صِرْتُ أخافُ
مِنَ الحياةِ /
سَأمنحُ الوَحْلَ شَرَفَ
تقليمِ أظافري / سأمنحُ الشاطئَ البَعيدَ شَرَفَ ترتيبِ جِنازتي / يَسكبُ البَرْقُ
دُموعي في قارورةِ الحِبْرِ / وَأشلائي مُمْتَلِئَةٌ بِذِكرياتِ الطفولةِ خاليةٌ
مِن أجنحةِ الفَراشاتِ / فيا بُحَيْرةَ الضَّبابِ/ أنا وأنتِ نَخجلُ أن نعترفَ
بِحُبِّنا للبَحْرِ / لم تتعوَّد الأرصفةُ أن تَكونَ أُنثى / ولم أتعوَّدْ أن
أكونَ مُؤَرِّخاً لِحُروبِ القَبائلِ / سَيْفانِ في غِمْدٍ واحدٍ / وأنا القاتلُ
المقتولُ / فيا أيتها الموؤدةُ التي تَلعبُ الشِّطْرَنجَ معَ قِطتي الوَحيدةِ / دَعيني
أسْأل الطيورَ عَن جُثةِ أبي / سأموتُ في مَوْسِمِ هِجْرةِ الأشجارِ إلى احتضارِ
المجرَّاتِ / تلتفُّ الأفعى حَوْلَ ثَدْيِ البُحَيرةِ / ويَموتُ الوَطنُ والمنفَى
في ضَوْءِ المصابيحِ/ التي عَلَّقَها قَوْسُ قُزَحَ في سَقْفِ غُرفةِ الإعدامِ/ خُذوا
خِياناتِ الأعْرَابِ / واترُكوا نِساءَ القَبيلةِ في مَوْسِمِ الدُّموعِ / لا
تَاريخَ للأُنوثةِ سِوَى طُبولِ الْحَرْبِ /
التاريخُ بُرتقالٌ مَنْسِيٌّ على أشجارِ
المقبرةِ / والحضَارةُ تُلْدَغُ مِن نَفْسِ الْجُحْرِ مَلايينَ المرَّاتِ/ سأظلُّ
شَجرةً يَتيمةً في طُرقاتِ المذْبَحةِ/ وأنا الذابِحُ والمذبُوحُ/ جَوارحي سَبايا
/ لكنَّ سُوقَ النِّخاسةِ مُغلَقٌ/ أصْدِمُ نفْسي عاطفياً / لِتَشْرَحَ لِي
حِيطانُ الزِّنزانةِ صِدَامَ الحضاراتِ / عِندما تتصادمُ كُرياتُ دَمي / تَركعُ
الملِكاتُ لِشَهواتِهِنَّ الجائعةِ / فاصْنَعْ حُلْماً أقلَّ توحُّشاً / وَكُن
ذَاكرةً للذينَ نسُوا أن يَموتوا / إِنَّ العَصا سَتختارُ السَّاحرَ / لا بُدَّ أن
أظلَّ غَامِضاً / لأنَّ فِرَاشَ الموْتِ مِرْآتي / لا بُدَّ أن أرتديَ عَباءةَ
النَّهْرِ / لأنَّ الخريفَ سَيَقْتُلُني عَارِياً / لا بُدَّ أن أرتديَ القِنَاعَ
/ لأنَّ الموْتَ سَيَكْشِفُ وَجْهي أمامَ الأشجارِ / ذِكْرياتي تَجْلِسُ عَلى كُرْسِيٍّ مُتحرِّكٍ / فَلْتَعْلَم
البُوسنِيَّاتُ أنِّي لم ألْعَب التِّنسَ معَ الصِّربياتِ / وَلْيَعْلَم الشِّتاءُ
أنِّي لم أُصادِق الأميراتِ في طَريقِ الكافيارِ / قَلْبُ الخريفِ كِذْبةُ نَيْسان
/ وأنا كِذْبةُ الحضَاراتِ الْمُنقَرِضَةِ / صَنعتُ أمجادَ الوَحْلِ / بَنَيْتُ
حَضَارةَ الحطَبِ/ كَتبتُ النَّشيدَ الوَطَنيَّ للقُصورِ الرَّمْليةِ / والرِّياحُ
الشَّمسيةُ تَقْتُلُني على سُطوحِ القِطَاراتِ / فانتَظِرُوا مَوْتي في السَّحَرِ
/ ثم اكْتُبوا قَصائدَ رِثَائي
/ وامْنَحُوا جُثماني وِسامَ الانتماءِ إلى وَطَنِ اللصوصِ / أنا البُكاءُ
الصَّادقُ الذي سَيَعُودُ معَ الفَجْرِ الكاذبِ / قَلبي معَ نَصْلِ المِقْصلةِ /
وجَسَدي معَ حَبْلِ المِشْنقةِ / وخَشَبُ تابوتي هُوَ الغِمْدُ / الذي تَجتمعُ
فِيهِ سُيوفُ المطرِ وجَدائلُ النِّساءِ / حَواجبي أثاثٌ مُسْتَعْمَلٌ لمحاكمِ
التَّفتيشِ / يَتكدَّسُ رَمْلُ المجرَّاتِ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / أنا جُثةٌ
مُتحرِّكةٌ في المدارِ / أنا مَزهريةُ البَيْتِ المهجورِ / أنا رَقصةُ الموْتِ في
أعراسِ الكُوليرا / وَلْيَأخُذ الطوفانُ عُنوانَ شَراييني /
لَيْتني كُنتُ قَادِراً
عَلى الاعترافِ بِحُبِّي للتِّلالِ البَعيدةِ / الملوكُ يَجمعونَ نُهودَ الإِمَاءِ
كالطوابعِ البَريديةِ النادرةِ / والنَّهْرُ الأعمى يَرعَى في صَحْراءِ رُموشي
الجِمَالَ / وَرَعْيُ الجِمَالِ خَيْرٌ مِن رَعْيِ الخنازيرِ / والجرادُ يَكتبُ
الأغاني الوَطَنيةَ في المقابرِ الجماعيةِ / تُشَكِّلُ المومساتُ حُكومةَ
الوَحْدةِ الوَطَنيةِ / فَكُن وَطَناً للسَّرابِ الأُرجوانِيِّ / أو إشارةَ مُرورٍ
أمامَ سُوقِ النِّخاسةِ / يَحفظُ المساءُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / لِيَحْسِبَ عَدَدَ
الجثثِ في الفَجْرِ / أعضائي ذَاكِرةٌ للبَنادقِ الآلِيَّةِ / والحواجزُ
العَسكريةُ تنتشرُ في حَواجِبي / حَرْبٌ أهلية بَيْنَ جَوارحي/ وَالكِفَاحُ
الْمُسَلَّحُ يتشظى بَيْنَ حَوَاسِّي / لا بُدَّ أن أُهاجِرَ مِنِّي / الشَّامبو
الخاصُّ بالملِكَةِ جُمجمةٌ / وأنا حارسُ الصَّدى / ذَهبتُ إلى دِمائي حاصداً لا
زَارِعاً / وتأكلُ الدِّيدانُ مِكْياجَ النِّساءِ / يَمْشي النَّمْلُ في ذِكرياتِ
المطرِ / والنُّعوشُ وَجَباتٌ سَريعةٌ في مَطْبَخِ الدَّيْرِ المهجورِ / حُزني مُتَعَدِّدُ
الأقطابِ / لكنَّ العالَمَ يَنهارُ / نزيفي مُتَعَدِّدُ الجِنسيَّاتِ/ لكنَّ
قَلْبي لاجِئٌ سِياسِيٌّ/ يا أنا / أنا وأنتَ غَريبانِ في حُقولِ الرَّعْدِ /
والبَرْقُ يَحْصُدُنا / ويُحَنِّطُ جَماجِمَ البُحَيراتِ في الكَهْرمان /
صارَ كُحْلُ الأراملِ
وَطَنَ الحروبِ الأهليةِ / صَارَ بُكاءُ البَحَّارةِ دَوْلةً بِلا حُكومةٍ /
وَشُموعُ عِيدِ الاحتضارِ هِيَ دُستورُنا / الذي لا يَعترِفُ إلا بِحِبَالِ
المشانقِ / وأعمدةُ الكَهْرباءِ تَمشي إلى الدُّموعِ المنسيَّةِ في الطرقاتِ /
وقِطتي تَشْرَحُ للحِيتانِ الزَّرْقاءِ أحزانَ المساءِ / يَدُسُّ النَّهْرُ السُّمَّ
في مِكْياجِ الجواري / والرِّياحُ تَشْرَبُ قَهْوةَ الغرباءِ / جُثماني هُوَ
مِفتاحُ الحضَارةِ الْمُنْقَرِضَةِ / والحطَبُ نَسِيَ البَريدَ الإلكترونِيَّ
للرَّمادِ / أَقْتُلُ صُورتي في المرايا / وَالبَغايا يُحَاكِمْنَ الرَّاهباتِ في
مَحاكمِ التَّفتيشِ / تَخْلَعُ أحلامُ الطفولةِ جِلْدي / وجُلودُ الكَهَنةِ
تُغطِّي زُجاجَ الكاتِدْرائِيَّاتِ / افْرَحُوا أيها الغرباءُ / إِنَّ الغريبةَ
أحَبَّت الغريبَ/ لا تَعْشَقِيني يا أشجارَ المقابرِ/ إِنَّ النَّمْلَ يَأكلُ خُدودي/
اكْرَهِيني يا سَيِّدةَ الخريفِ/ إِنَّ الدُّودَ يَخْلَعُ لَحْمي في وَحْلِ
المقبرةِ كَالْمَلِكِ المخلوعِ/ وَتُرابُ القُبورِ انتصَرَ على تُرابِ جِسْمي /
وتَصُبُّ الرُّعودُ في دَمي الصَّمْغَ / كَي تلتصِقَ بَراميلُ البَارودِ على
جُدرانِ شَراييني / وحُدودُ حُزني حَيْثُ تَصِلُ أظافرُ السُّجناءِ/ أركضُ إلى
ذِكْرياتي القاتلةِ/وأجنحةُ الفَراشاتِ تَسْقُطُ في حُفْرتي/ وَضَفائرُ الإِمَاءِ
تتساقطُ في حُفَرِ المجاري/ كما يَتساقطُ حَبْلُ المِشْنقةِ في بِئْرِ قَرْيتي /
والأحزانُ تأمُرُني أن أرتديَ وَاقِياً ضِدَّ الرَّصاصِ / قَبْلَ أن تُطْلِقَ
عَلَيَّ الرَّصاصَ /
عَرْشُ الرَّمادِ
الأُرجوانِيِّ / ونِقابةُ اللصوصِ الأعرابِ / وُلِدْنا في البَحْرِ / وسَنموتُ في
البَحْرِ / تعادَلَتْ جُثثُ البحَّارةِ الغرقى معَ جُثثِ الجنودِ الخاسرينَ في
الحربِ / ألَمي هُوَ رَسولُ الأشجارِ إلى الأضرحةِ/ والدُّودةُ العَمْياءُ تَحْفِرُ
في رِئتي ضِحْكةَ التِّلالِ/ فيا أيتها الطحالبُ التي تَنمو في حَنجرتي/ لا صَوْتٌ
لِغَيماتِ الدَّمِ / ولا صَدىً لِهِضابِ البُكاءِ / تَعِبَ الجنودُ مِن مُمارَسةِ
الجِنسِ معَ السَّبايا / لا أعْرِفُ الخمْرَ / لَكِنِّي مَخمورٌ / والرِّيحُ تسألُ
جُثمانَ الغَسَقِ / كَيْفَ يُنَظِّمُ الملوكُ أوقاتَهُم لِمُضَاجَعَةِ الزَّوْجاتِ
والعَشيقاتِ ؟/ كَيْفَ تُوَزِّعُ الذِّكرياتُ السَّائلَ الْمَنَوِيَّ على العَبيدِ
والجواري؟/ الباعةُ الْمُتجوِّلونَ يَحْمِلُونَ جَماجِمَ العُشَّاقِ في أكياسٍ
بلاستيكيةٍ / ويَبيعونَها للسَّائحاتِ / لَو يُعَيِّنُ النَّهْرُ مُديرةً
للمُخَابَرَاتِ لَصَارَ التعذيبُ أكثرَ رُومانسيةً / سَوْفَ تُصبحُ الزِّنزانةُ
الانفراديةُ مُنْتَجَعَاً سِياحِيَّاً/وتأخذُ الإِمَاءُ حُقُوقَهُنَّ بَعْدَ
انتحارِهِنَّ/ يُوَزِّعُ الأغنياءُ الْخُبْزَ على الفُقراءِ في سيركِ الحضَارةِ/
فيا أيتها الحضَارةُ الغريبةُ / عِشْتِ كالْمُراهِقاتِ السَّاذجاتِ/ اللواتي
يَجْمَعْنَ كُراتِ التِّنسِ في الملاعبِ / لكنَّ التَّنورةَ لم تَكُنْ فَوْقَ
الرُّكْبَةِ / دَخَلَتْ أشعةُ الشَّمْسِ في الأضرحةِ الرُّخاميةِ / وَرُخامُ
المذابحِ كُحْلٌ لليَتيماتِ/ قَبْلَ أن تأكلَ الحشَراتُ أغشيةَ البَكارةِ/ سَأصنعُ
مِن ضَفائرِ الزَّوابعِ مَتْحَفاً لأسلحةِ الجنودِ الهاربين / وأُفَجِّرُ قُضبانَ
قَفَصي الصَّدْرِيِّ / كَي أرتاحَ مِن صُراخِ الجرادِ في أزِقَّةِ رِئتي / فيا
أيها الْحُزْنُ القُرْمُزِيُّ / لماذا لم تُدافِعْ عَن الراهباتِ الْمُغتَصَبَاتِ
في سَراديبِ الأدْيِرَةِ ؟ /
اهْرُبْ مِنَ الْحُبِّ أيُّها المسجونُ في
جَسَدِ البَحْرِ / إِنَّ المرأةَ التي تُحِبُّكَ سَتَقْتُلُ جَسَدَكَ / والمرأةَ
التي تَكْرَهُكَ سَتَقْتُلُ رُوحَكَ / إِنَّكَ في الحالتَيْنِ مَقتولٌ / فارْحَلْ
مِن دِماءِ قَوْسِ قُزَحَ / وَكُنْ غُصْناً في شَجْرةٍ مَنْسِيَّةٍ في مَقبرةٍ
قَديمةٍ / نَبيعُ النِّساءَ في سُوقِ النِّخاسةِ / ثُمَّ نَرْقُصُ في أعراسِهِنَّ
/ نَسْرِقُ العُمَّالَ ثُمَّ نَحتفلُ بِعِيدِ العُمَّالِ / نَبيعُ الوَطَنَ ثُمَّ
نُقَدِّسُ الوَحْدةَ الوَطَنيةَ / نَضْرِبُ النِّساءَ أوَّلَ النهارِ/ ثُمَّ
نُجامِعُهُنَّ آخِرَ النَّهارِ / لا مُسْتَقْبَلَ لِبَناتِ أفكارِنا سِوى السَّبْي
/ والقُراصنةُ يُذَوِّبُونَ أغشيةَ البَكارةِ في الشَّايِ الأخضرِ / ومِكْياجُ
الملِكاتُ يَذُوبُ تَحْتَ شَمْسِ الظهيرةِ / فيا قَوْسَ قُزَحَ / لا تُطْلِق الرَّصاصَ عَلى ذِكْرياتي / إِنَّ
جَسَدي حَقْلُ ألغامٍ / وشَهيقي يَحْرِقُ حُقولَ رِئتي/ يَصيرُ الْحُلْمُ فَلْسفةَ
اللاحُلْمِ/ ويَصيرُ البَشَرُ فِئرانَ تجارُب/
وَيَنتصِرُ التُّرابُ على التُّرابِ / تُهاجِرُ أنفاسُ النِّساءِ إلى صَوْتِ
البحَّارةِ الغَرْقى/ ويُهاجِرُ صَدى المرايا إلى صُراخِ الجواري أثناءَ الجِمَاعِ
/ فيا أيتها الأنهارُ التي تَرْفُعُ الجماجِمَ على رَاياتِ القبائلِ / وتُخَزِّنُ
نُهودَ النِّساءِ في طُبولِ الحربِ / وتَنْشُرُ جُثثَ الأطفالِ على حِبَالِ الغسيلِ
/ إِنَّ نُعوشَ الذبابِ على سَجاجيدِ المعْبَدِ / ودَمُ الحيْضِ للمَلِكاتِ
يُلَوِّثُ السَّجادَ الأحمرَ في المطاراتِ / والليلُ يَزُفُّ الحضَارةَ إلى
الصَّليبِ المصلوبِ / والْمُدُنُ المنسيَّةُ مَصْبوغةٌ بِسُعالِ الفُقراءِ / الذي
يَرْصُفُ أزهارَ الهاويةِ /
مَاذا سَيَحْدُثُ للبَعُوضِ الذي يَأكلُ مَعي/
حِينَ يَدُسُّونَ السُّمَّ في طَعامي ؟/ الرِّيحُ تُعَلِّقُ المصابيحَ على أشجارِ
المقابرِ / وَالأعاصيرُ تُعَلِّقُ البَراويزَ على حِيطانِ الزَّنازين / وابنةُ
حفَّارِ القُبورِ تأكلُ الشُّوكولاتةَ / وتَلعبُ بَيْنَ شَواهِدِ القُبورِ /
وُلِدْتُ وفي فَمي مِلْعَقةٌ مِن انقلاباتٍ عَسكريةٍ / انتهى شَغَفي بالحياةِ /
بَدَأَ شَغَفي بالموْتِ / وتأكلُ النِّساءُ البُوظةَ وَيَمْشِينَ في جِنازتي /
تَرمي الزَّوابعُ أوتادَ الخِيَامِ في ثُقوبِ رِئتي/وطُرقاتُ المجزرةِ تبدأُ مِن
لَحْمِ اليتيماتِ/ وتنتهي في حَنجرةِ الضَّبابِ الحامضِ/
يُنَقِّبُ البَدْوُ
الرُّحَّلُ عَن النِّفْطِ في نُهودِ نِسائِهِم/ والحمَامُ يَضَعُ بُيُوضَهُ تَحْتَ
أظافري / والمقبرةُ أفضلُ مَكانٍ لِرَسْمِ اللوحاتِ الزَّيتيةِ / التاريخُ مِن
التُّرابِ إلى التُّرابِ / والحضَارةُ مِن الدَّمِ إلى الدَّمِ/ والحطَبُ الأخضرُ
يَرْفَعُ رَاياتِ القَبائلِ / بَيْنَ طُبولِ الحربِ وسَكاكينِ المطْبَخِ /
فاقْتَحِمْ زِنزانتي الإلكترونيةَ / كَي يَزدهِرَ الوَطَنُ الْمُباعُ لِدَعْمِ
الوَحْدةِ الوَطَنيةِ / أُعَلِّمُ البَحْرَ السِّباحةَ ضِدَّ التَّيارِ /
ويُعلِّمُني الْحُلْمُ ألا أَحْلُمَ / جارتي انتحَرَتْ احتجاجاً على انتحارِ
كَلْبِها / وأنا التَّائهُ في انتحاراتِ الياقوتِ / لا أعْرِفُ عُنوانَ بَيْتي /
لأني قَضَيْتُ عُمري في ثلاجةِ الموتى / لا أعْرِفُ جُثةَ أبي / لأني عِشْتُ
مَوْتي معَ السَّجانين / ولم يَأخُذوا رَأْيي في قَضِيَّةِ إعدامي / سَتَرْقُصُ
السَّجانةُ على بَلاطِ السُّجونِ الباردِ / ولم أُقَدِّم النَّبيذَ في عُرْسِ
تاجرِ الأسلحةِ / لأنَّ الأدغالَ تَعْصِرُ رُموشي عِنَباً للبَقِّ /
رَقصةُ السَّجانةِ/ وَمَأْتَمُ
البَنفسجِ/ فيا أيها الغرباءُ/ لِنُحِبَّ بَعْضَنا/ هَذهِ فُرْصَتُنا الأخيرةُ /
لأنَّ الطوفانَ قَادِمٌ / أحزاني تَخْلَعُ ألواحَ صَدْري / والشُّموعُ تُمَزِّقُ
قُلوبَ العاشقين / أيتها الملِكَةُ الواثقةُ مِن حَجْمِ ثَدْيَيْها / إِنَّ
المملكةَ تنهارُ / نزيفي مَلِكٌ يُفَتِّشُ عَن عَرْشِهِ بَيْنَ أظافرِ السَّناجبِ
/ فَشُكْراً للذينَ يَقْضُونَ شَهْرَ العَسَلِ / في غُرفةِ العِنايةِ
الْمُرَكَّزَةِ / عَلَّمُوني الانقلاباتِ العَسْكريةَ / ثُمَّ انقَلَبُوا عَلَيَّ
/ حَقَنُوا أوْرِدَةَ الفَراشاتِ بِدَمْعِ قَوْسِ قُزَحَ / ثُمَّ قَدَّمُوها
لمحكمةِ التَّفتيشِ / يَصيرُ جُثماني مَطْعَمَاً للعَائلاتِ / وأظلُّ بِلا عائلةٍ
/ قِطةٌ تُعَلِّقُ في عُنُقِها كَلْباً بُوليسياً / والثلوجُ تتشمَّسُ على رُموشِ
القِرْميدِ / يَنظُرُ المطرُ في المرايا فلا يَرى شَيْئاً / وأنظرُ إلى جُثتي فلا
أرى شَيْئاً / الزَّوابعُ سَكاكينُ نَسِيَتْهَا الرَّاهباتُ في مَطْبَخِ الدَّيْرِ
قَبْلَ اغتصابِهِنَّ / والرِّيحُ تُنَظِّفُ نوافذَ السُّجونِ مِن أحْمَرِ
الشِّفاهِ/ وأنا المهاجِرُ بَيْنَ كُرياتِ دَمي/ أزرعُ القَمْحَ في مَساميرِ
النُّعوشِ / والجرادُ يَشْرَبُ اليانسونَ في أوعيتي الدَّمويةِ / بَنَى القُرْصانُ
بَيْنَ نَهْدَي زَوْجَتِهِ سِكَّةَ حَديدٍ / والأشجارُ تُهَرِّبُ الأسلحةَ إلى
جُمْجُمةِ الغَسَقِ / والدِّيدانُ تُهَرِّبُ عِظَامَ الأمواتِ إلى المتاحفِ /
أعشابُ المقبرةِ سِمْفُونيةٌ نَسِيَ تُجَّارُ الحروبِ أن يُؤلِّفُوها / كُلما
أردتُ الذَّهابَ إلى بَيْتي ذَهَبْتُ إلى قَبْري / أخافُ مِن مِرْآتي / لأنَّ
قِناعي يَكْسِرُ مَزْهريَّاتِ الغروبِ / أخافُ مِن فُرْشاةِ أسناني / لأنها
تتجسَّسُ على نَبَضاتِ قَلْبي /
لَم أذُقْ طَعْمَ النَّوْمِ مُنذُ طُوفانِ
نُوح / تتساقطُ أجنحةُ النُّسورِ على فِرَاشِ الموْتِ / ويَتقاتلُ الجرادُ في
سَريري / والخناجرُ مَغروسةٌ في وِسادتي / كَيْفَ تنامُ العصافيرُ على سُورِ
المقبرةِ ؟ / كَيْفَ تنامُ أشجارُ المقابرِ في قَميصي ؟/ لم أبْحَثْ عَن قَميصِ
عُثمان / ولم أبْحَثْ عَن جُثةِ أبي / كانَ البَرْقُ يَصْلُبُ النِّساءَ على
أعمدةِ الكَهْرباءِ / وأدغالُ الخريفِ تَرْكُضُ إلى كَنائسِ الرَّمادِ /
في خُدودي يَتناولُ النَّمْلُ
طَعَامَ العَشَاءِ / أتذكَّرُ الأمواتَ الذينَ يَمْشُونَ في رُموشي / وأرى أعراسَ
القَتيلاتِ في ليالي الشِّتاءِ / أحتاجُ إلى كَلِمةِ السِّرِّ لِدُخولِ جِلْدي /
وجِلْدي كالغِرْبالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / الذي يُطْلِقُهُ عَلَيَّ شَجَرُ
الغروبِ / انطُقْ يا خَشَبَ التَّوابيت / اكْتُب النشيدَ الوَطَنيَّ لِقَوْسِ
قُزَحَ / كُلما ذَهَبَ الطاغيةُ جَاءَ الطغاةُ / أنا المنبوذُ في تُرابِ
النَّيازكِ / وَكُرَياتُ دَمي ضائعةٌ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / لَحْمي سَجَّادٌ
يُغطِّي بَلاطَ الزَّنازين / وأجفاني تَنمو في ظِلالِ المقاصلِ كالفِطْرِ السَّام
/ مُسَدَّسي مَطْلِيٌّ بِدُموعِ أُمِّي / وأصابعي مُتَجَمِّدةٌ كالجثثِ الباردةِ /
ذِكْرياتي مِن نُحاسٍ / وبُكائي مِنَ الحديدِ / والصَّدأُ يَمشي إلى مَساميرِ نعشي
/ أظلُّ أركضُ في نشيدِ الأمواجِ / لا دَوْلةٌ تَحْرُسُ حَواجبي مِنَ الدُّودِ /
ولا رَايةٌ تَحْرُسُ احتضاراتِ نِساءِ القَبائلِ / أَدْخُلُ في سِفْرِ خُروجي
بَاكياً / لِيَدْخُلَ الغرباءُ في لَيْلةِ الدُّخلةِ ضَاحكين /
دَخَلَ الجنديُّ في
حَليبِ زَوْجَتِهِ/ عَارياً مِنَ الأوسمةِ العَسْكريةِ/ والأنهارُ تأكلُ البيتزا
على سُورِ المقبرةِ / حَسَاءٌ مِن جُلودِ الأيتامِ يَشْرَبُهُ الرَّصيفُ / ما
ذَنْبُ الأمواجِ إذا كانَ رُبَّانُ السَّفينةِ يُخطِّطُ لإغراقها ؟ / فَلْتَخُنْ
رَمْلَ البَحْرِ يا صَديقي لأعْرِفَ أنَّكَ صَديقي / أحتاجُ إلى دَليلٍ سِياحِيٍّ
لأعْرِفَ طَريقَ أصابعي / تَفْتَتِحُ طُفولةُ المساءِ في رِئتي حَديقةَ حَيَواناتٍ
/ لِتَسْليةِ أطفالِ الجنودِ القَتْلى / حَضَاراتٌ تُفَتِّشُ عَن صُكوكِ الغُفرانِ
على أغصانِ الموْتِ / يَحترِقُ الحطَبُ في زَفيري / والجثثُ المجهولةُ تحترقُ في شَهيقي
/ تنطفِئُ النِّساءُ في الْمُدُنِ المذعورةِ / حَيْثُ تَرْسُمُ صَفَّاراتُ الإنذارِ
أُنوثةَ الأشجارِ / فيا أيها الأعرابُ الذينَ يُكَلِّمُونَ بَعْضَهُم بالإنجليزيةِ
/ مَتَى تَكْسِرُونَ الأصنامَ ؟ / جَدائلُ الأراملِ تتكسَّرُ بَيْنَ الشِّعابِ
المرجانيةِ / آخَيْتُ بَيْنَ الاكتئابِ وَشُموعِ الاحتضارِ / آخَيْتُ بَيْنَ
فَساتينِ الملِكاتِ والوَسْواسِ القَهْرِيِّ / وتَزَوَّجْتُ بُكاءَ النَّوارسِ في
الخريفِ البَعيدِ / صَارَت الدَّمْعةُ أُمِّي / والضِّحكةُ زَوْجةَ أبي /
أنا المسجونُ في جَسَدي
/ أنا السَّجَّانُ في جَسَدِ البُحَيرةِ / وَسَوْفَ يَخْرُجُ العُصفورُ مِنَ
القَفَصِ في مَساءٍ خَريفيٍّ/ سَتَموتُ أيها النَّهْرُ مَطْعُوناً / وَلَن
تَعْرِفَ مِن أيْنَ جَاءَت الطعنةُ / سَتُولَدُ أيها الثلجُ في أعصابِ الشَّجَرِ
غَريباً / ولا مَعنَى للبُكاءِ إذا انكسَرَتْ أجنحةُ النَّسْرِ الأعمى/ ولَن
يَعْرِفَ بَصْمَةَ نزيفي سِوى الفِئران/ والرَّمادُ يَبْحَثُ في عَرَقِ
الرَّاقصاتِ عَن اليُورانيوم/ والرِّيحُ تَقُومُ بتأميمِ قلبي / وترميمِ انكساراتِ
الرُّوحِ/ نَسيتُ أحِبَّائي القَاتِلِينَ الذينَ حَنَّطوا رِئتي في رَمْلِ
البَحْرِ / أخَذَ الطاغيةُ الشَّعْبَ رَهينةً / وأَخَذْتُ قَلبي رَهينةً / وأنا
الرَّهينةُ/ أَزْرَعُ أحزانَ أبي في شُقوقِ جِلْدي / وأحْرُسُ الظِّلالَ عِندما
تَموتُ الشُّموسُ / والجرادُ يَخْرُجُ مِن بِئْرِ قَرْيتي / وَيَدْخُلُ في طُفولةِ
الأراملِ /
مُنذُ مِيلادي وأنا
أموتُ وَاقِفاً / وآنَ للفَراشةِ أن تَعتزِلَ الطَّيَرَان / مُنذُ مِيلادي وأنا
مَصْلُوبٌ على مناديلِ الوَدَاعِ / وآنَ للمَصْلُوبِ أن يَكْسِرَ الصليبَ / كَيْفَ
أنامُ والحِيتانُ الزَّرْقاءُ ترتَطِمُ بِسَاعةِ الْمُنَبِّهِ ؟/ تَصْطَدِمُ
جَمَاجِمُ الفُقراءِ بِحُفَرِ الغولفِ/وَحَمَامَةُ السَّلامِ تَفتحُ ثَدْيَيْها للرِّيحِ
/ كَي تَحتفلَ الحضَارةُ بِعِيدِ السَّبايا / وَالرِّجالُ يَقْطَعُونَ حَلَماتِ
نِسائهم بِسُيُوفِ القَبائلِ/ ويَحتفلونَ بِعِيدِ الأُمِّ / والرَّعْدُ يَصِفُ
مَشاعِرَ رَائدِ الفَضَاءِ قَبْلَ انتحارِهِ / فَكُن نَجَّاراً لِتَصْنَعَ تابوتَ
الحضَارةِ / وَكُن حَدَّاداً لِتَصْنَعَ مَساميرَ النُّعوشِ / هَذهِ الطرقاتُ
اللازَوَرْدِيَّةُ تاريخٌ لِجُثثِ الصَّبايا / والجثامينُ المضيئةُ تَسيرُ في
الشَّوارعِ / فيا أيها الأرَقُ اللذيذُ / ما فَائدةُ قَميصِ النَّوْمِ ؟ / أيتها
اليَمامةُ الرُّومانسيةُ / زَوْجُكِ أعمَى / فما فائدةُ عُلْبةِ المِكْياجِ ؟ / لا
تاريخٌ للحضَاراتِ سِوى سَرَطانِ الثَّدْيِ / ولا نشيدٌ للمَلِكاتِ سِوى لَمعانِ
المقاصلِ /
أمشي في مُدُنِ الطاعونِ
وَحيداً / وَدُموعي تَخْلَعُ الأرصفةَ المدهونةَ بِدَمِ الحيْضِ / يَغسِلُ المطرُ
تفاحَ الإعدامِ / وأظلُّ عارياً تَحْتَ المطرِ / والدُّودُ يَخْرُجُ مِن حَلَماتِ
النِّساءِ / يَبيعُ المساءُ دِماءَهُ الزَّرقاءَ في السُّوقِ السَّوْداءِ /
وتُجَّارُ الحروبِ يَدْرُسُونَ دَوْرَ المومساتِ في الكِفاحِ الْمُسَلَّحِ /
فاشْكُر الْمُرْتَزِقَةَ الذينَ يَدْعَمُونَ الجيوشَ البَدَوِيَّةَ /
الْحُزْنُ يَغتصِبُ
النَّخيلَ عِندَ الغروبِ / والضَّبابُ يُحاصِرُ التَّوابيتَ الزُّمرديةَ / فَضَعْ
نعْشي في حِسابي البَنكِيِّ/ ضاعَ الحمَامُ الزَّاجِلُ في مَتاهةِ
الأحزانِ/واللصوصُ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطَنيةِ/ وكُلُّ الذِّكرياتِ
التي تَموتُ في الشِّتاءِ / تُولَدُ في مَمالِكِ السَّرابِ / وَرَاياتُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ
/ ورُموشُ الأيتامِ هِيَ جَيْشُ الخلاصِ /
وليالي الخريفِ تَحْقِنُ النَّهْرَ بِإِبَرِ الاكتئابِ / ثُمَّ تُرْسِلُهُ إلى
الطبيبِ النَّفْسِيِّ / إِذاعةُ المجزرةِ تَبُثُّ الأغاني الوَطَنيةَ/
والرَّاقصاتُ يُعَلِّقْنَ جُثماني على حَبْلِ الغسيلِ/ وضَريحي أجْمَلُ قِصَّةِ
حُبٍّ عاشَتْها الدِّيدانُ/ فَلا تَحْزَنْ عَلَيَّ أيها الجرادُ/ صارَ التاجُ
أكْبَرَ مِنَ الجثةِ/ وصارَ ثَدْيُ الملِكَةِ أكْبَرَ مِنَ العَرْشِ / هكذا يَصيرُ
صَوْلَجانُ الملِكِ أعْظَمَ مِنَ الملِكِ / وتَصيرُ ثِيابُ السَّجَّانِ أهَمَّ
مِنهُ / ويَصيرُ دَمُ الحيْضِ أكثرَ رُومانسيةً مِنَ المرأةِ /
الفَيَضَانُ يُوَزِّعُ
الأوسمةَ العَسكريةَ على الرَّاقصاتِ الْمُنْتَمِيَاتِ للوَطَنِ / أنا وَشَوَاهِدُ
القُبورِ نَمْلِكُ نفْسَ الجِيناتِ/ قَلْبي صَارَ مَكتبةً عَامَّةً بِلا رُفوفٍ/ يَستعيرُ
الناسُ كُرَياتِ دَمي ولا يُرْجِعُونَها / أضاعَ قَلْبي خَارطةَ النَّيازكِ /
وأضعتُ قَلبي في دَمْعِ المرافئِ / ولم أعُدْ أعْرِفُ أيْنَ قَلْبي / جماجمُ
الأطفالِ مَنثورةٌ عَلى أثاثِ البُيوتِ/ وأعصابي قَارورةُ حِبْرٍ للأغرابِ/
والنَّوارِسُ تَموتُ في الظهيرةِ / ويَتنافَسُ النَّجارونَ لِصِناعةِ أجْمَلِ
نَعْشٍ /
هَل يَستطيعُ العَبْدُ
أن يُجَامِعَ سَيِّدَتَهُ ؟ / بَوْلُ السَّبايا يَخْدُشُ بَلاطَ السُّجونِ / وكُلُّ
النِّساءِ يَتشابَهْنَ إذا ذَابَ المِكياجُ / ولا فَرْقَ بَيْنَ لُغةِ الأُنوثةِ
وأدغالِ البُكاءِ / إذا كانت الأُنوثةُ قِطْعَةَ جُبْنٍ في مَطْبَخِ الدَّيْرِ /
الصُّحونُ مُمتلئةٌ بالفِئرانِ والمِكياجِ / أُعَلِّقُ نَصْلَ مِقْصلتي على ألواحِ
صَدْري كَسَاعةِ الحائطِ / ولا أقْدِرُ أن أعيشَ بِلا مِقْصلتي / ويَبحثُ عُلماءُ
الآثارِ في عِظامي عَن الكافيارِ / كُلما نظرتُ إلى مَساميرِ نعْشي / رَأيتُ مَزهرياتِ
بَيْتِنا في الأندلسِ / الْحُزْنُ هُوَ المِرآةُ / فاكْسِرْها / وَكُن وَجْهاً
حِينَ يَكْسِرُ الموْتُ قِناعَكَ / لم يُفَرِّق اليَمامُ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ
وحَبْلِ المِشْنقةِ / وَكُلما قَتَلَني حُزْنُ الفَراشاتِ / تذكَّرْتُ جَدائلَ
الرِّياحِ في المقابرِ الجماعيةِ / وفي شُرُفاتِ الخريفِ تنتظرُ النِّساءُ صَفيرَ
القِطاراتِ التي لا تَعودُ/ يُقاسُ البارودُ في دِمائي بِدُموعِ النِّساءِ في
السُّدودِ/ وصُراخي هُوَ قاموسُ الأمطارِ / تَذهبُ الأقمارُ إلى الانطفاءِ /
وَسَوْفَ يُصبحُ الحامِلُ مَحْمُولاً .