شكسبير يستمع إلى إحدى محاضراتي / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...........
هَكَذَا تَصِيرُ قُلُوبُ جَارَاتِي
أَرْقَامَاً عَلَى حِيطَانِ زِنزَانتِي / كَأَنَّ الْبُحَيْرَةَ تَنْظُرُ إِلَى
النَّمْلِ وَهُوَ يَأْكُلُ جَسَدَهَا / تَدْخُلُ الْهِضَابُ الْمُحَارِبَةُ بَيْنَ
أَزْرَارِ قَمِيصِي / بَيْنَمَا كُنْتُ سَائِرَاً فِي جِنَازَتِي / يا شَمْعةَ
الموتِ / إِنَّ الطريقَ هُوَ السَّرَطانُ الذي سَيأكلُ نَهْدَيْكِ / غَرِيبٌ
وَجْهِي أَكْثَرُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى/ فَلا تَسْأَلِينِي يَا ابْنَةَ
النَّارِ عَنْ سَنَابِلِ الْمَدَى/ لأَنَّنِي سَيْفُ الصَّوْتِ وَخَنْجَرُ
الصَّدَى / وَكَانَ النَّهْرُ مُؤَذِّنَاً جَوَّالاً فِي أَزِقَّةِ نَعْشِي
الْمُقَاوِمِ لِزَئِيرِ الْفَيَضَانِ/ (( أَجَارَتَنَا إِنَّا غَرِيبَانِ هَهُنَا
وَكُلُّ غَرِيبٍ لِلْغَرِيبِ نَسِيبُ ))/ كِتَابَاتٌ فِي جَوَازِ السَّفَرِ الدُّبْلُومَاسِيِّ
لِلْعَاهِرَةِ الْمُبْتَدِئَةِ / وَفِي شِتَاءَاتِ الْحَطَبِ فَأْرَةٌ تَشْرَبُ
النَّبِيذَ الْمَشْوِيَّ / أَمَامَ مَوْقَدَةِ الْجُنُونِ الْمَقْلِيِّ/ وَعَلَى
الصَّليبِ ضِفْدَعٌ يَتَزَوَّجُ تُفَّاحَةً / سَأَتَزَوَّجُ رَاهِبَةً وَأُسَمِّي
ابْنِي مُحَمَّدَاً / (( فَإِنْ مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ))/ وَلا
تَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ عَمِّي/ فَيَا مَلِكِي لا تُمَكِّن
الأَعْدَاءَ مِنْ جُثَّتِي/
وَكَانَ الْمُتَنَبِّي
يُلْقِي قَصَائِدَهُ فِي جَامِعَةِ السُّوربُونِ/ وَامْرِؤُ الْقَيْسِ فِي
الْمُسْتَشْفَى الْعَسْكَرِيِّ / رَقْمُ غُرْفَتِهِ قَصِيدَةٌ غَامِضَةٌ / هَكَذَا
يَذْهَبُ أَرُسْطُو إِلَى مَصَحَّةٍ عَقْلِيَّةٍ بَعْدَ دَرْسِ الْمَنْطِقِ
اللامَنْطِقِيِّ / وَيَتَسَاقَطُ بُرْجُ إِيفِلَ عَلَى مَقَرِّ نِقَابَةِ بَنَاتِ
الليْلِ/ فَلْتَكُنْ أُذُنِي خَوْخَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ السَّجَّانِ
وَالْبَاذِنْجَانِ/ حَنِينُ الْحِجَارَةِ فِي أَكْيَاسِ ثَرْثَرَةِ الْحِيطَانِ
النَّازِفَةِ بُرتقالاً/ لَيْتَ الْعَقَارِبَ تَتجمَّعُ فِي حَنْجَرَةِ التُّوتِ /
كَمَا تَتَجَمَّعُ الشَّاحِنَاتُ فِي خُدودِ الرَّمْلِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ إِلَى
وَجْهِ الْبُحَيْرَةِ رَأَيْتُ قَنَابِلَ الْوَقْتِ / وَشَرَايِينِي مَفْتُوحَةٌ
لِحُفَرِ الْمَجَارِي / يُخَزِّنُ الشَّوْكُ الْفِضِّيُّ دَوَائِرَ
الْمُخَابَرَاتِ دَاخِلَ رَغِيفِ خُبْزٍ/ كُلما ازدادتْ أمتارُ قُمَاشِ الأكفانِ /
ازدادت الأضرحةُ نُسوراً وبَريقاً/ مَن حَاوَلَ انتشالَ الجثثَ سَيُصْبِحُ جُثةً /
فَاذْهَبْ إلى دَمي المنثورِ على حِجارةِ قَرْيتي/ انتحرَ الوَطنُ / وَبَقِيَ
النَّشيدُ الوَطنيُّ/ انقَرَضَت الدَّوْلةُ/ وَبَقِيَتْ مَحكمةُ أمْنِ الدَّوْلةِ/
كُسِرَ الصَّليبُ / لكنَّ نُعوشَ الرَّاهباتِ تَسْبَحُ في رَنينِ الأجراسِ/
فَاصْعَدْ مِن ضَوْءِ أظافِرِكَ النُّحاسيةِ بُرْتقالاً وَمُسَدَّساتٍ / كَسَرْتُ
مِرْآتي / وَرَأيتُ صُورتي عَلى زُجاجِ السَّياراتِ العَسْكريةِ / في شَوارعِ
الإِبادة / جاءَ الشِّتاءُ الجريحُ / وَلَم تَجِئْ مَناديلُ الوَداع / تَتساقطُ
أجفاني على الوَحْلِ كالأمطارِ المكسورةِ / وَدَمُ الحيْضِ يَخْدُشُ الأحجارَ
الكريمةَ / أَشْفِقي عَلَيَّ أيتها العُقبانُ / أنا ذِكرياتُ اليَمامِ في مَزْبلةِ
الحضَارةِ/ وَجَدْتُ دَمي في جَسَدِ غَزالةٍ مَذْبُوحةٍ / وَكَانتْ دِماءُ
الشَّمْسِ تَسيلُ في حُقولِ الكَاكاو / وَالعَبيدُ يَحْصِدُونَ رُموشَهم تَحْتَ
قِرْميدِ الأحزان / وَيَحْرُثُونَ حَواجِبَهم تَحْتَ أغصانِ النَّيازكِ / أظافري
هُدْنةٌ لا تَحْتَرِمُها التِّلالُ / وَالسَّبايا صِرْنَ هَدايا بَيْنَ مُلوك
الاحتضارِ / العَاصفةُ تُمَزِّقُ مَناديلَ الوَداع / وَالرَّاهباتُ يَمْشِينَ
مُتَحَرِّراتٍ مِن جَاذبيةِ الأحزانِ/ تَحْتَ أجراسِ الغاباتِ القَاتلةِ/
الرِّياحُ الكَاذِبةُ / وَالفَجرُ الكَاذِبُ / والأظافرُ المكسورةُ في طُرقاتِ
الذُّعْرِ / وَالزَّوابعُ تأكلُ أعمدةَ الكَهرباء / وَالشُّموعُ البَاردةُ
تَغْتَصِبُ القِطَطَ الشَّريدةَ وَالكِلابَ الضَّالةَ / الصَّقيعُ عَائِلةٌ
مَلَكِيَّةٌ / وَالظلامُ الْمُرْتَعِشُ يَشْرَبُ الأسفلتَ الطازَجَ / كُسِرَتْ
قَارورةُ الحِبْرِ / وَاختفى طِلاءُ الأظافرِ في ظُروفٍ غَامِضةٍ/ وَالفَيَضانُ
جَلَسَ على عَرْشِ الفَراغ/ يُقْتَلُ الرِّجالُ على الأثاثِ / والنِّساءُ
يُشَاهِدْنَ التِّلفازَ / وَالضِّباعُ تَتجوَّلُ في الشَّوارعِ الْمُطْفَأةِ
وَحيدةً / لا جُثَثٌ ولا نُعوشٌ / لا شَيْءَ سِوى العَدَمِ / أنتَ القَاتِلُ
والمقتولُ / وَالْخَرابُ سَيَكُونُ ذَاكرةً للشَّمْسِ / اكْسِرْ صَلِيبَكَ
وَاتْبَعْنِي / وَاغْسِلْ ظِلالِي بِالْيَانسُونِ الْمُثَلَّجِ وَلا تَكْسِرْنِي/
لأَنَّ الدَّيْنَاصُورَاتِ نَائِمَةٌ فِي عُلْبَةِ تَبْغٍ مَغْرُوسَةٍ / فِي
سَقْفِ بَنْكِرْيَاسِ زَوْجَةٍ خَائِنَةٍ / وَأَرَى شَاعِرَاً ضِفْدَعَاً يَبِيعُ
حَلِيبَ زَوْجَتِهِ لِلسُّكَارَى/ فِي آبَارِ الشَّوَاذِّ جِنْسِيَّاً/
أَطْلِقْنِي لأَحْضُنَ مَنَافِي الْحِبْرِ/ وَهِيَ تَرْكُضُ عَلَى قِشْرَةِ
الْبُنْدُقِ الْعَنِيفِ / إِنَّ دِعَايَةَ مُبِيدِ الْحَشَرَاتِ مَحْكَمَةُ
تَفْتِيشٍ مَهْجُورَةٌ / فَلْتَبْصُقْ أَفْكَارُ الشَّجَرَةِ عَلَى زُجَاجِ
نَظَّارَاتِ الليْمُونِ / مُطَارَدَةٌ أَطْيَافِي كَفِيلٍ هَارِبٍ مِنَ السِّيركِ
/ وَفِي عَضَلاتِي تَنْدَلِعُ جَثَامِينُ اللوْزِ / لِمَاذَا تَرْكُضُ أَشْجَارُ
الْبَرْقِ / إِلَى حُفْرَةِ الزَّنْجَبِيلِ النِّهَائِيَّةِ ؟! / فَلْيُقَدِّس
اللهُ رُوحِي / وَلْيُنَوِّرْ ضَرِيحِي /
عَلَّمَتْني التفاحةُ كَيْفَ أُقَشِّرُ
البُرتقالةَ / لكني مِتُّ جائعاً / عَلَّمَتْني مُدُنُ الكوليرا تاريخَ أجسادِ
الأراملِ / وجُغرافيا أحزانِهِنَّ / لكني لم أَنجحْ في امتحانِ الجثامينِ
الطازَجةِ / فلا تَنْتَظِرْنِي فِي مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ النَّائِيَةِ /
ضَابِطُ الْمُخَابَرَاتِ يَلْتَهِمُ طَيْفِي / فِي مَطْعَمِ الْوَجَبَاتِ
السَّرِيعَةِ / لا دِمَائِي بُكَاءُ الْمَجَرَّاتِ / وَلا إِسْطَبْلاتِي أُسْرَةٌ
حَاكِمَةٌ سَارِقَةٌ / سَأَطْلُبُ اللجُوءَ السِّيَاسِيَّ فِي كَوْكَبِ
الزُّهْرَةِ / فَلا تُضَيِّعُوا وَقْتَكُمْ فِي الْبُكَاءِ عَلَيَّ / أنا
الْمُهَاجِرُ الأَبَدِيُّ إِلَى خَالِقِ الأَكْوَانِ / رَجَاءً أَيُّهَا
الصَّلِيبِيُّ : ضَاجِعْ عَشِيقَتَكَ / ثُمَّ انْشُر الدِّيمقْرَاطِيَّةَ /
الدائرةُ اكتملتْ / أنا
ضَريحٌ سَابحٌ في الانطفاءِ / لكنَّ أحزاني تتوهَّجُ / أنا جُثةٌ هامِدةٌ / لكنَّ
هَيْكلي العَظْمِيَّ يَقودُ الانقلاباتِ العسكريةَ / انقرَضَت الدَّوْلةُ / والعَلَمُ مُنَكَّسٌ /
ولكلِّ قَبيلةٍ قانونُها / أنامُ على قَشِّ الإِسْطبلاتِ / لا خُيولٌ بَيْنَ
أصابعي / ولا نِساءٌ حَوْلَ قَبْري / ذِكْرياتي هائجةٌ / وأحزاني جَامِحةٌ /
سَيَنمو النَّعناعُ في الجماجمِ المكسورةِ / والشَّفقُ العجوزُ يتوكَّأُ على
مُسدَّسي / والأعاصيرُ تُرَوِّضُ رُموشَ المطرِ الأزرقِ / كَدِماءِ الأرستقراطياتِ
المجروحاتِ عَاطِفياً .