خطة الإرهابي محمد بن سلمان لمواجهة تركيا
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
..............
إن المشكلة الأساسية التي
يُعاني مِنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، هي اعتباره السياسة شكلًا
للثأر والانتقام وكسر العظام . وهذه المعاني أبعد ما تكون عن السياسة ، لأن
السياسة لَيست لُغة العنف، وإنما هي لغة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة .
وفي السياسة ، لا توجد مشاعر رومانسية ، ولا أحاسيس دافئة، بَل يُوجد حوار ونقاش
وابتسامات ( حقيقية أو مُصْطَنَعَة ) للوصول إلى نُقطة مشتركة في مُنتصف الطريق،
تُحقِّق مصالح الطرفين .
والمُرَاهَقَة السياسية ذات تكلفة عالية ، ولها ضريبة باهظة يجب دفعها.
والعربُ تقول : آخِر الدَّواء الكَي . أي إن كَي الجُرح بالنار هو الخيار الأخير
لا الأوَّل . وفي السياسة ، تكون الحربُ هي الخيار الأخير لا الأوَّل. ومعرفةُ
الأولويات ضرورة أساسية في عِلْم السياسة، لكيلا تَختلط الأمور، وتَخرج عن السيطرة
، ويفوت الأوان، وعندئذ ، لا يَنفع الندم . والعِنادُ والمُكَابَرَة ورفض مَشورة
أهل الخِبرة والاختصاص مِن عوامل انهيار الدُّوَل وسُقوط الأنظمة . والدولةُ إذا
ذَهَبَتْ لا تَعُود ، وإنما يَحُل مكانها دَولة أُخرى . وهذا التعاقب يمكن
مُلاحظته بسهولة أثناء دراسة تاريخ الأمم والشعوب والدُّوَل والحضارات .
وفي هذا السياق ، تبرز عبارة لمعاوية بن أبي
سُفيان في غاية الأهمية، تُعبِّر عن فهم الأولويات ، وتُعْتَبَر مِن أركان عِلْم
السياسة ، حيث يقول : (( لا أضع سَيفي حيث يكفيني صَوْتي، ولا أضع سَوْطي حيث يَكفيني
لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شَعْرة ما انقطعت ، كُنتُ إذا مَدُّوها خَلَّيْتُها
، وإذا خَلَّوْها مَددتها )) .
وفي
الآونة الأخيرة ، تداولت وسائل الإعلام خبرًا يتعلَّق بوجود خُطة سعودية
إستراتيجية ترمي إلى إسقاط الرئيس التركي أردوغان ، وإنهاء النفوذ التركي في
المنطقة . ومِن الواضح أن محمد بن سلمان يُريد الانتقام مِن أردوغان شخصيًّا،
والثأر لكرامته ، ورد الصاع صاعَيْن ، بسبب هُجوم أردوغان عليه بعد عملية اغتيال
الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول .
وقد
امتصَّ النظامُ السعودي الصدمةَ ، ولم يَستطع أردوغان تدويل قضية خاشقجي ، ولم
يَستطع الكونغرس الأمريكي مُحاسبة محمد بن سلمان المسؤول الأول عن قتله ، وذلك
بسبب فيتو الرئيس الأمريكي ترامب ، وحمايته للنظام السعودي ، وتبنِّيه لمحمد بن
سلمان ، مُقابل مليارات الدولارات وصفقات الأسلحة . وقد استنتجت المخابرات
الأمريكية أن مِن المُؤكَّد أن محمد بن سلمان اطَّلَعَ على عملية اغتيال خاشقجي ،
وأجازها ، ولا يُمكن أن تقع هذه العملية دُون عِلْمه أو مُشاركته .
كما
أن أغنيس كالامارد مُقرِّرة الأمم المتحدة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء ،
خلصت بشكل مستقل إلى أن ولي العهد السعودي
هو الذي أمر بقتل خاشقجي .
والنظامُ السعودي المُخْتَزَل في شَخْص محمد بن سلمان ، يَلعب بالنار ،
ويَدخل في مُغامرة مجهولة العواقب أقرب إلى المُقامَرة ، حيث إنه يتحدَّى دولة
مهمة في المنطقة ، ذات وزن كبير . وتركيا ليست دولةً عربية يُمكن تَجويعها ، أو
قطع المساعدات المالية السعودية عنها ، أو منع تزويدها بالنفط السعودي .
إن
تركيا التي تَحَدَّت أمريكا ، واشترت منظومة إس _ 400 الروسية ، ولم تستطع أمريكا
تركيعها ولا فرض عقوبات عليها ، ليست مِثل السعودية التي يتلقَّى ملكها الإهانات
والشتائم مِن ترامب أمام وسائل الإعلام التي يُشاهدها الملايين ، وعلى الهواء
مُباشرة، ولا يَستطيع المَلِك ولا ولي العهد أن يُدافعا عن هَيبة النظام السعودي
أو مكانة العائلة الحاكمة .
وخُطة النظام السعودي بسيطة وبدائية وساذجة إلى حد بعيد ، ويُمكن تخليصها
كالتالي : أ _ إشغال أردوغان بالأزمات الداخلية . ب _ دعم المعارضة التركية لإسقاط
أردوغان . ج _ إنهاء الاستثمارات السعودية في تركيا ، والتي لا تزيد عن مليارَي
دولار . د _ عدم استيراد الخضار والفواكه والمنسوجات من تركيا . ه _ منع السُّياح
السعوديين من الذهاب إلى تركيا .
إن
السعودية الغارقة في مشكلاتها الداخلية والخارجية ، تحاول الهروب إلى الأمام ،
باختراع صراع وهمي معَ تركيا ، فلماذا لا تُحاول السعودية التعاون مع تركيا (
الدولة الكبيرة ذات الوزن الإقليمي ) ، وجذبها إلى صفِّها ، وتشكيل محور سياسي
معها ، لتحقيق فوائد مشتركة، في ظِل الأزمات السعودية المُتكاثرة ؟ .
إن
الاقتصاد السعودي يُعاني من الانكماش وهروب رُؤوس الأموال ، والعائلة الحاكمة
مُنقسمة ، والمؤسسة الدينية منبوذة ومُهمَّشة، والشعب السعودي مُنقسم بين
المُحافظين والليبراليين المُؤيِّدين لسياسة الانفتاح ( الرقص والغناء والحفلات الموسيقية
والمُصارعة ... إلخ ) . وإيران تتحكَّم بمضيق هُرمُز ، وتُسيطر على مياه الخليج ،
والحوثيون يقصفون السعودية بالصواريخ . وبعد خمس سنوات من الحرب السعودية على
اليمن واليمنيين ، كانت النتيجة انتصار الحوثيين ، وعَجْز السعودية عن حماية
نفْسها ، وطلبها الحماية مِن الرئيس الأمريكي ترامب الذي أرسلَ 500 جندي أمريكي ،
إلى قاعدة الأمير سلطان بن عبد العزيز جنوب شرق الرياض . وهل 500 جندي أمريكي
سَيَحْمُون السعودية التي يَبلغ عدد قواتها المُسلَّحة رُبع مليون جندي ؟ .
إن
النظام السعودي يُدمِّر نفْسه بنفْسه بانتهاج سياسات طائشة تُشكِّل خطرًا عليه في
المقام الأول ، وقد خَسرت السعودية مكانتها بين العرب والمسلمين ، وصار يُنظَر
إليها كعَدُوَّة للعرب وصديقة لإسرائيل ، التي صار يُنظَر إليها كدولة سُنِّية
مُعتدلة ضمن المحور السعودي الإماراتي لمُواجهة إيران ، معَ أن الإمارات تركت
السعودية وَحْدَها في اليمن ، وذَهبت كي تتقارب مع إيران ! .
وبعد كُل هذه المشكلات
السعودية التي ليس لها حَل ، يُخطِّط محمد بن سلمان لمواجهة تُركيا ( ثاني أكبر
قُوة عسكرية في حِلْف الناتو بعد أمريكا ) ، وهو عاجز عن حماية الأراضي السعودية
من صواريخ الحوثيين بدائية الصُّنع ! . فهل هذه هي الإستراتيجية السياسية
والخُطَّة الإقليمية المناسبة كَي تُصبح السعودية قُوَّة عُظمى والمُتحدِّثة
الوحيدة باسم الإسلام والمسلمين ؟ .
لو
كانت السعودية دولة عُظمى لَمَا طَلبت إرسال 500 جندي أمريكي إلى قاعدة عسكرية في
الصحراء . إن السعودية دولة تتآكل، وقد اتَّسع الفَتْق على الراتق. وهي دولة تفقد
مكانتها العالمية والإقليمية شيئًا فشيئًا . وليس أدل على ذلك مِن تصريح رئيس
الوزراء الماليزي مهاتير محمد ، الذي قال إنه
يمكن النهوض بالحضارة الإسلامية مُجَدَّدًا بالتعاون بين ماليزيا وتركيا وباكستان ،
في ظل التحديات التي تُواجه الدول الإسلامية . ولم يَأتِ على ذِكر السعودية
إطلاقًا . وهذا يعني أنه يراها دولة ضعيفة وبسيطة، غير مُؤهَّلة لقيادة العالَم
الإسلاميِّ ، وليس لديها مشروع فكري ، ولا وزن في المنطقة ، يُمكِّنها مِن المُساهمة
في إعادة أمجاد الحضارة الإسلامية .