الصدأ يأكل صندوق البريد / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
............
الْجَسَدُ يَا بَارُودَ الْحَدِيقَةِ تُفَّاحَةٌ لِلْقُضْبَانِ /
كَأَنَّنِي الشُّهَدَاءُ / يُسَجِّلُونَ رَائِحَةَ الأَدْغَالِ وَأَحْجَارَ
الْفَرَاشَةِ/ فِي دَفْتَرِ مُلاحَظَاتِ النِّسْرِينِ / غُرْفَةُ التَّحْقِيقِ /
الْوَجْهُ خَمِيرَةٌ / اشْرَبْنِي أَيُّهَا الدَّمُ الرِّيفِيُّ / وَامْشِ عَلَى
شَفَرَاتِ النَّسِيمِ/ لا ذَبْحَتِي الصَّدْرِيَّةُ خَلِيجُ الْخَنَازِيرِ / وَلا
جَوْرَبِي حَضَارَةُ الْمُومِسَاتِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ /
وَحَضَنْتُ أَجْسَادَ
أَئِمَّةِ قُرَيْشٍ الثَّائِرِينَ / وَلَمْ أَجِدْ جَبِينَ أَبِي كَيْ أَمُوتَ
فِيهِ / ادْخُلْ يَا أَذَانَ الْفَجْرِ إِلَى خَلايَا نُخَاعِي الشَّوْكِيِّ /
رُفَاتِي / إِنَّكَ الشَّاهِدُ عَلَى مَوْتِ فُهُودِ عُيُونِي / فَلا تَخْدَعْنِي
مِثْلَمَا خَدَعُونِي/ تَمَارَا تُوَافِقُ عَلَى خُطُوبَتِنَا/ بَيْنَمَا كُنْتُ
أُسَاقُ إِلَى خَشَبَةِ الإِعْدَامِ/ الذِّكْرَيَاتُ آخِرُ أَسْلِحَةِ
الْعَصَافِيرِ / يَنْبُعُ أُكْسُجِينُ دَمِي مِنْ جَبَلِ أُحُد / وَيَصُبُّ فِي
عِظَامِ الأَطْلَسِيِّ /
حَامِلاً نِعَالَ الأَنْبِيَاءِ عَلَى
رَأْسِي / أَيْنَ رِعشَتِي الَّتِي تَلُفُّ نَيَازِكَ الأَنْهَارِ ؟
/ تَشْهَدُ الْبُحُورُ فِي مَحْكَمَةِ الصَّرَاصِيرِ / وَيَرْجِعَ الْمَاسُ
كَرْبُونَاً فِي صَخْرَاتِ الْمَغِيبِ / وَتُؤَلِّفُ بَغَايَا رُوما إِنجِيلاً
دَمَوِيَّاً جَدِيدَاً / وَجْهِي الْمُؤَقَّتُ عَلَى لائِحَةِ الْمَقْتُولِينَ /
جِسْمِي الْمُمَلَّحُ عَلَى شَوْكِ الضَّحِكِ / فُكَّ شِيفرَةَ سُكُوتِي / سَاوِمْ
ظِلالِي فِي أَوْجِ الرَّغْبَةِ / لأَنِّي أَصْرُخُ فِي خَلايَا طَيَرَانِ الْوَادِي
بِاتِّجَاهِ صَدْرِي الغِرْبَالِ /
فَأَشُمُّ صُرَاخَ أُمَّهَاتٍ غَرِيبَاتٍ / وَرَكَضْتُ نَحْوَكِ يَا رِئَتِي /
أَسْأَلُ عَنْ أُمِّي / وَبَكَتْ خَالَةُ الْفَرَاشَةِ الْمُتَعَفِّنَةِ عَلَى
الأَرَاجِيحِ / فَرَأَيْتُ جُثْمَانَ حَدِيقَتِنَا فِي عُيُونِ الرِّيحِ /
وَقَرَأْتُ اسْمِي عَلَى شَوَاهِدِ الْقُبُورِ/ وَامْتَلأَ بَيْتُنَا بِالنِّسَاءِ
الْبَاكِيَاتِ اللوَاتِي تَرَكْنَ الطَّعَامَ عَلَى النَّارِ/ وَالأَطْفَالَ
الصَّاخِبِينَ / وَالأَقْفَاصَ الرَّخِيصَةَ لِلنُّسُورِ / وَانْكَسَرَتْ قُلُوبٌ
وَقُيُودٌ / وَأَبَارِيقُ فَخَّارٍ فِي زَوَايَا مَرَضِي الْقَدِيمِ / وَغُرْفَتِي
الْمَهْجُورَةِ / وَلَمَحْتُ فِي ذِهْنِ الليَالِي الْقَتِيلاتِ سَدُومَ /
تَسْرِقُ ثِيَابَ الْقَتْلَى / وَتَبِيعُهَا لِلْعَارِ / سَيَزُورُ الْعَقِيقُ
لَوْنَ الْبِنْزِينِ الْمَرِيضِ / فِي مَنَامِ سَيَّارَاتِ نَقْلِ الْمَوْتَى
الْجَدِيدَةِ / وَبَنَاتُ حَيِّنَا الْمَيِّتَاتُ وَرَاءَ سَتَائِرِ الْخَيَالِ /
حَاوَلْتُ إِنْقَاذَ رُمْحِي الْمَنْصُوبِ فِي جُرْحِي / لَكِنَّ الْبَرْقَ
أَقْرَبُ إِلَى حُلْمِي مِنَ الصَّحْرَاءِ / وَبَكَيْتُ نِيَابَةً عَن المِلْحِ
فِي دُمُوعِي / حَتَّى قَرِفَ الْبُكَاءُ مِنِّي / كُلَّ ثَانِيَةٍ أَنْتَحِرُ
وَأَنْتَحِرُ / إِنَّ الرَّصَاصَةَ الَّتِي رَسَمَتْ ضِحْكَتَهَا فِي قَلْبِي هِيَ
وَمْضَةٌ / أَوْ قِطْعَةُ ثَلْجٍ فِي كَأْسِ عَصِيرٍ / عَلَى قَبْرِ ذُبَابَةٍ /
مَشَى الْجُنُودُ فِي جِنَازَتِهَا / تَصِيرُ القُبورُ أرقاماً خَارِجَ ذَاكرةِ
عُلماءِ الرِّياضيات /
إِنَّ لِلصَّخْرِ دِمَاءً نِسَائِيَّةً
تَتَنَفَّسُ فِي حُفَرِ الْمَجَارِي / فِي كَفِّ الْمَاءِ الْيُمْنَى اسْتِعْرَاضٌ
عَسْكَرِيٌّ لِلْوَحْلِ / وَفِي الْيُسْرَى شَعْرُ تِينَةٍ أَسِيرَةٍ/
وَالْغُرَبَاءُ دَفَنُوا مَمْلَكَتِي فِي رِمَالِ الْوَهْمِ / عَانَقْتُ مَوْتِي
عِنْدَ مَوْتِي قُرْبَ مَوْتِي / فِي سُفُوحِ الْمَطَرِ
الْمُعَلَّبَةِ /
أَتَعَرَّى أَمَامَ مِغْسَلَةِ الْحُزْنِ / كَمَا يَتَعَرَّى لَوْنُ الْفِطْرِ
السَّامِّ فِي قُشَعرِيرَةِ الْحِبْرِ / جُرْحُكَ الْكريستَالِيُّ دَمِي
الْمُلَوَّثُ / زِنْزَانَةٌ تَحِيضُ / وَفَرِحَ الزَّبَرْجَدُ لأَنَّ
النَّبَاتَاتِ مَشَتْ فِي جِنَازَتِهِ / الذِّكْرَى شَظِيَّاتٌ أَمْ أَضْرِحَةُ
الْقَلْبِ عَصَافِيرُ ؟ / حُقُولُ الرِّعشَةِ فَجَّرَتْنِي أَوْدِيَةً /
فَلَمْلَمْتُ أَشْلائِي فِي كِيسٍ حَجَرِيٍّ / عَلَّقْنَا نِسَاءَنَا بَرَاوِيزَ
ذُبَابٍ عَلَى لَوْحَاتِ أَرْقَامِ السَّيَّارَاتِ فِي الْجَمَارِكِ / وَلَمْ
نَكْتَشِفِ الْمَرْأَةَ الضَّوْءَ /
الْمُومِسُ الْخَجُولةُ / بَجَعَةٌ
تَرْتَدِي وَاقِيَاً ضِدَّ الرَّصَاصِ / وَالْبَرْقُ يَقْطِفُ وَرَقَ التُّوتِ
بِيَدَيْهِ الْجَرِيحَتَيْنِ / لَمْ تَتَذَكَّر المرَاهِقَاتُ وُجُوهَ الْمُلُوكِ
/ الَّذِينَ يُبَدِّلُونَ عَشِيقَاتِهِمْ كَالْجَوَارِبِ الْمُرِيحَةِ / نُغَيِّرُ
أَقْنِعَتَنَا لِنَصِيرَ قُمَاشَاً رَخِيصَاً لأَعْلامٍ مُتَعَفِّنَةٍ / يُلَوِّحُ
بِهَا مُقَامِرُو الْوَحْدَةِ الْوَطَنِيَّةِ / وَتَنْتَشِرُ التَّوَابِيتُ
الْبَطِيئَةُ فِي الأَغَانِي السَّرِيعَةِ / مَلاقِطُ الْغَسِيلِ عَلَى نَزيفٍ /
تَمَسُّهُ إِيطَالِيَّةٌ / تَنْتَحِرُ فِي ضَحِكَاتِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ / قَدْ أُرَبِّي أَحْفَادَ
الْخَشَبِ بَعْدَ احْتِرَاقِهِ / فِي قُلُوبِ الثَّلْجِ الأَزْرَقِ / وَلَمْ
يَكُنْ تَفْكِيرُ الْبَابُونَجِ فِي أَشْكَالِ ذَبْحِهِ/ سِوَى إِصَابَةِ
الصَّقِيعِ بِالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ عَلَى قِرْمِيدِ الْمَنَافِي وَكَرَاسِي
الْمَجَرَّاتِ / وَالْبُرْتُقَالُ
الأَخْضَرُ سَيَرْمِي قِصَصَ حُبِّنَا الْفَاشِلَةَ / فِي
أَفْوَاهِ الْغَسَقِ أَوْ أَسْنَانِ الإِعْصَارِ / وَتَمْضِي حَوَاجِبُنَا /
تَحْمِلُ الْبَنَادِقَ فِي طَرِيقِ الْمُذَنَّبَاتِ /
كُلَّ لَيْلَةٍ تَغْسِلُ حَيْفَا جَارَةُ
الأُكْسُجِينِ فِي رِئَتِي/ خُصَلاتِ شَعْرِهَا فِي دِمَائِي الْيَابِسَةِ/ سَيُزَوِّرُ الأَغْرَابُ التِّلالَ
الرَّاكِضةَ إلى لَيْمونِ المجرَّةِ / وَرْدَةُ الْجِبَالِ الْوَحِيدَةُ /
وصَدَاقَاتُ النَّخِيلِ / بُرتقالةٌ عَلَى طَاوِلَةِ الأَحْلامِ الْعَابِرَةِ /
كَأَنَّنِي ظَهِيرَةٌ مَا فِي يَوْمٍ مَاطِرٍ / وَالْمَزَارِيبُ تَتَشَظَّى فِي
سَاعَةِ يَدِ الْحَصَى / وَالْغُصُونُ مَا زَالَتْ تَحْلُمُ بِالْمُحَارِبِينَ
الْقُدَامَى / جِذْعُ الليْلَكِ يُقَاتِلُ غُبَارَ الأُمْسِيَاتِ / رَفِيقَتِي
الذِّكْرَى الَّتِي تَجْمَعُ صَدَفَ الْحَنِينِ / عَلَى سَوَاحِلِ الْغَضَبِ
الْبَنَفْسَجِيِّ / إِنَّكِ الشُّرْطِيَّةُ الْوَاقِفَةُ عَلَى نَافِذَةِ قَلْبِي
/ فَمَتَى سَتَسْمَحِينَ لِلْبَحَّارَةِ أَنْ يَزُورُونِي ؟ / وِلادَةٌ
قَيْصَرِيَّةٌ لِكَلامٍ يَمُوتُ / أَطْفَالٌ
يَنْهَضُونَ مِنْ أَنَابِيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ فِي
مَزَارِعِ الثَّوْرَةِ /
تَعَالَ إِلَيَّ أَيُّهَا النِّسْيَانُ
الزُّمُرُّدِيُّ / لأَنسَى أَكْوَامَ الْوَسْوَاسِ الْقَهْرِيِّ فِي خَلايَايَ /
وَمِكْيَاجَ الْقَاضِيَةِ الْعَارِيَةِ فِي مَحَاكِمِنَا الْعَسْكَرِيَّةِ /
وَبَلُّوطَ الْمَقَابِرِ الصَّاعِدَ مِنْ رِقَابِ الأَسْرَى / وَذُهُولَ الْكِلابِ
البُوليسيَّةِ فِي دَوْلَتِنَا الْبُولِيسِيَّةِ / لُصُوصُ بِلادِي أَثَاثُ
الْقُبُورِ الْمُرُّ / إِنَّهُ الطُّوفَانُ / كُلَّمَا أَمْسَكْتُ صَوْتَ الْمَاءِ
/ تَفَجَّرَ الصَّدَى الْمُتْعَبُ / شُكْرَاً لِلأَمْوَاتِ
الَّذِينَ يُضَيِّعُونَ وَقْتَهُمْ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ
النِّسَاءِ وَالأَحْذِيَةِ / مِكْيَاجُ التَّوَتُّرِ / كَأَنَّهُ الرَّقْصَةُ
الْقَاتِلَةُ عَلَى حَافَّةِ مِغْنَاطِيسِ الْحُلْمِ / كُوخٌ يَقْضِي وَقْتَ
فَرَاغِهِ فِي زِيَارَةِ الْخَفَافِيشِ/
عَلَى مُدَرَّجَاتِ الْغِيَابِ/ بَكَارَةُ الدَّمْعَةِ /
الْخَرِيرُ الْعَاصِفُ .