دم الحسين يصب في شموس الروح / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.............
وَجْهٌ تَنَاثَرَ عَلَى غَيْمَةٍ مَصْلُوبَةٍ / فَأَضَاءَ مَسَاءَاتِ
النَّرْجِسِ وَفِضَّةَ الصَّلِيلِ / كَرْبَلاءُ مَذَاقُ ذِكْرَيَاتِ الْهَدِيلِ
الذَّبِيحِ / يَرْكُضُونَ فِي أَوْرِدَةِ صَلِيلٍ تَسَاقَطَ مِنَ الْفَرَاشَاتِ /
وَهَذَا الْجَسَدُ مِشْطٌ لِشَعْرِ الأَرْضِ / حِينَ تَذْهَبُ إِلَى مَعِدَةِ
الشُّمُوعِ / رَأْسٌ يَدُورُ عَلَى حِرَابِ الذَّاكِرَةِ / وَالنِّصَالُ عَلَى
النِّصَالِ / يَا أَيُّهَا الْوَطَنُ الْمُخَزَّنُ فِي رُؤُوسِ الرِّمَاحِ / قُمْ
/ وَانْفُض الْمَوَانِئَ عَنْ أَجْنِحَةِ الْيَنْبُوعِ الْجَافِّ / وَيَوْمِيَّاتِ
الْخَرِيرِ الْيَابِسِ / وَتَذَكَّرْ أَطْيَافَ النَّوَارِسِ عَلَى أَخْشَابِ
الأَلَمِ / حِينَ يَخْجَلُ قَوْسُ قُزَحَ مِنَ النَّظَرِ فِي عَيْنِ الْقَتِيلِ/
قَمْحٌ يَطْلُعُ مِنْ حَدِيدِ الْمَقَاصِلِ/ حَلُمْنا بِمِنَصَّةِ إِعْدَامٍ مِنَ
اللازَوَرْدِ الْكِلاسِيكِيِّ / قُلْ إِنَّكَ قَاتِلِي أُسَرِّح الرِّمَاحَ مِنْ
غِيَابِ الْكَسْتَنَاءِ /
لا وَجْهِي قِنَاعُ بَارُودٍ / وَلا لحمِي
شَاطِئٌ لمذكَّرَاتِ الموتَى/ لم نُمَيِّزْ بَيْنَ حَفلاتِ الزِّفَافِ وَحَفلاتِ
الإِعْدَامِ / سَأُعْطِي سَجَّانِي دَرْسَاً خُصُوصِيَّاً فِي الرِّيَاضِيَّاتِ /
جَسَدِي خَنْدَقٌ فَلْيَحْفِرْهُ مَطَرُ الْكَلِمَاتِ الْمُضِيءُ / اخْتَارَتْنِي
الْمِشْنَقَةُ لأَكُونَ عَشِيقَهَا / سَيَبْنِي الْمَسَاءُ الْفِضِّيُّ
مَمْلَكَتَهُ فِي دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ وَقَطْرَاتِ الْمَطَرِ / وأيامُ شَنْقي
مَوْعِدُ لِقَاءِ النَّهْرِ بِخَطِيبَتِهِ / هَذَا وَقْتُ زَوَاجِ دَمِي مِنَ
السِّنْدِيَانَةِ الْيَتِيمَةِ / تَسِيرُ الإِسْطَبْلاتُ عَلَى جَسْرٍ / يَرْبِطُ
ضِفَّتَيْ ذَبْحَتِي الصَّدْرِيَّةِ / فَلْتَبْكِ أَيُّهَا الْبَلُّوطُ عَلَى فِرَاقِ
شَوَاهِدِ الْقُبُورِ / فِي عِيدٍ مُحَاصَرٍ يَحْتَفِلُ بِهِ الْغُرَبَاءُ /
كُنَّا لِلْمِينَاءِ نَشِيدَاً خَائِفَاً
مِنْ بَرِيقِ الْمِرْسَاةِ / حَمَّلْنَا أَكْتَافَ الشَّفَقِ فِي مَرَاكِبِ
الصَّيْدِ / وَلَمْ نَتَذَكَّرْ أَنْ نَبْكِيَ حِينَ عَادَ الْبَحَّارَةُ حَطَبَاً
/ لإِضَاءَةِ بَنَفْسَجِ الْغَيْمَاتِ / الْجُرْحُ فَرَاشَةٌ / لَكِنَّ وِسَادَتِي
أَنِينُ قَوْسِ قُزَحَ / وَرَكَضْنَا فِي نَحِيبِ الْمَجَرَّةِ الْمَرْصُوفِ
بِأَكْبَادِنَا الْمُطِلَّةِ / عَلَى سَوَاحِلِ الْخَنْجَرِ / نُنَظِّفُ
سَكَاكِينَ الْمَطْبَخِ بِمِلْحِ دُمُوعِنَا / وَنَنْتَظِرُ عَوْدَةَ التُّرَابِ
الْمُهَاجِرِ/ كُلَّمَا غَسَّلَتْنِي أَزْهَارُ الْمِقْصَلَةِ / خَجِلْتُ مِنْ
صُوَرِ الْمُشْمُشِ عَلَى حِيطَانِ الْمَوْجِ /
لِلنَّدَى نَشِيجُ الْبَرَاوِيزِ
الْعَتِيقَةِ / إِنَّ لَحْمِي غُرْبَةُ الْمَعْنَى / الضَّبَابُ يَرْكُضُ عَلَى
حَوَافِّ اللوْزِ / فِي شَجَرَاتِ الذَّبْحَةِ الصَّدْرِيَّةِ/ لِي مَا تَسَاقَطَ
مِنَ اشْتِعَالاتِ الصَّدَى/ وَلِلْغُزَاةِ عَتَمَةُ الْغَرْقَدِ عَلَى سُطُوحِ
الرَّصَاصَةِ / فَأْرَةٌ تَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهَا سَيَّارَاتٍ عَسْكَرِيَّةً /
وَتَمْضِي إِلَى مَقْتَلِ الْخَوْخِ /
مِنْ وَرَاءِ نَافِذَةِ الْجُرْحِ /
يَلْمَعُ شَعْرُ الْقَمَرِ وَخَصْرُ النِّسْيَانِ / وَيَحْتَضِنُ الْمَسَاءَ
وَمْضُ التَّوَابِيتِ الطَّازَجَةِ / بَشَرٌ يَسْتَلِمُونَ انْهِيَارَ
الْكَسْتَنَاءِ / ثُمَّ يَغْطُسُونَ بَيْنَ أَفْخَاذِ نِسَائِهِمْ / جِلْدِيَ
الانقِلابُ / وعُيُونِي جَيْشٌ مِنَ الْبُرْتُقَالاتِ الثَّائِرَةِ / وَكُلُّ
أَسْرَابِ الدَّمْعِ الرَّاكِضِ فِي احْتِضَارَاتي سَكَاكِينُ في خُدودِ السَّحابِ
/ مَا لَوْنُ الْحَطَبِ فِي وُجُوهِ النِّسَاءِ الضَّاحِكَاتِ / فِي مَأْتَمِ
الْحَشَائِشِ السَّامَّةِ ؟ /
رَاكِضَاً فِي تَفَاصِيلِ الْجِهَازِ
الْعَصَبِيِّ لِلْبَطَاطَا / عَانَقْتُ نَبَضَاتِ الْغُرُوبِ / فَصِرْتُ
شَيْخُوخَةَ عُودِ الْمِشْنَقَةِ / انْتِظَارُ أَسْمَاكِ الْقِرْشِ عَلَى سُطُوحِ
سَيَّارَاتِ التَّاكسِي / دَهْشَةُ الدَّلافِينِ فِي مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ
الْكَهْرَبَائِيَّةِ / وَالْمَاعِزُ يُولِمُ لِزُرْقَةِ الشُّطْآنِ / فِي
مَمَالِكِ قلبي الغريبةِ /
إِنَّ لِظِلالِ النُّحَاسِ أُنْشُودَةَ
الْفَتَيَاتِ الْمُغْتَصَبَاتِ / لَكِنَّكُمْ فَمُ الشَّفَقِ الثَّوْرِيِّ /
لَمَعَانُ أَظَافِرِ الأَرَامِلِ / فِي إِمْبرَاطُورِيَّةِ الصَّدَى الأَبْيَضِ /
نِفْطٌ مَغْشُوشٌ فِي ثَدْيِ الرِّيحِ / خَوَاطِرُ الْحَاكِمِ / ذَلِكَ الصَّنَمُ
الْمَقْتُولُ فِي دَوْرَةِ الْمِيَاهِ / لَمْ تَتَلَطَّخْ يَدِي بِدَمِ الشُّمُوسِ
/ وَقَدْ يَعْمَلُ الْبَارُودُ دَلِيلاً سِيَاحِيَّاً لِلْبَطِّ الْغَرِيبِ /
عَرَقُ الشَّجَرَاتِ تَقَاسَمَهُ جَيْشُ الدُّخَانِ / أَسِيرُ إِلى صَلاةِ
الفَجْرِ / وَخَلْفي صَوْتُ الكَعْبِ العَالي / يَدُقُّ على الأسْفَلْتِ وَيَقتربُ
مِنِّي/ شَيْءٌ فِيَّ يَحترقُ/ سَقَطْتُ في أعماقي/ وَدُمُوعُ الحمَامةِ تُعَبِّدُ
طَريقَ الرِّيحِ إلى كُوخي /
أَتَوْا مِنْ مُخَيِّلَةِ الْعِنَبِ
الْمَنْثُورَةِ عَلَى طَاوِلَةٍ نَظِيفَةٍ / صَدِّقْنِي وَلا تُصَدِّقْ قَرْقَعَةَ
عِظَامِي فِي خَرِيفِ الْمَعَانِي / تَحْبِسُنَا الْكَلِمَاتُ الْمَاطِرَةُ فِي
زُجَاجَةِ عَصِيرٍ فَارِغَةٍ / لا عُنُقِي مُحَاوَلةٌ لِفَكِّ شِيفرَةِ الدَّمْعِ
/ وَلا قَلْبِي كِيسُ طَحِينٍ مُسْتَوْرَدٍ / إِنَّكُمْ ظِلُّ الرَّصَاصَاتِ عَلَى
حَقِيبَةِ الْمُهَاجِرِ / وَالأُغْنِيَةُ تَبِيعُ أَبَاهَا فِي سُوقِ عُكَاظَ /
يَا أَيُّهَا الليمونُ الْمُتَشَكِّلُ فِي بَطْنِ إِعْصَارٍ / إِنَّ دَمِي
تَوَزَّعَ عَلَى الْقَبَائِلِ / لأَنَّ ذَكَاءَ الطُّوفَانِ مَنْثُورٌ فِي
أَوْرِدَتِي / وَالشَّلالُ يَسُوقُ قَطِيعَاً مِنْ كُرَيَاتِ الدَّمِ الْبَيْضَاءِ
/ أَسْمَاكٌ تَطِيرُ فَوْقَ ضَرِيحِي / يَصْطَادُهَا السَّيْلُ الْبَنَفْسَجِيُّ /
تَرْكُضُ مَصَابِيحُ الْخِيَامِ الْمَهْجُورَةِ عَلَى سَطْحِ تُفَّاحَةٍ /
تُلَقِّنُ هَيْكَلاً عَظْمِيَّاً تَعَالِيمَ النَّدَى / لا تَطْرُدُوا الْقِطَطَ
الَّتِي تَمْشِي فِي جِنَازَتِي/ وَبَيْنَمَا كَانَ الرَّعْدُ يُشَرِّحُ جُثَّتِي
فِي الْغَابَاتِ / كُنْتُ أَتَنَفَّسُ هِجْرَةَ الشَّرْكسياتِ / وَأَشْرَبُ
الْقَصِيدَةَ / سَامِحْنِي أَيُّهَا الشَّجَرُ الذَّهَبِيُّ / لأَنَّ أَكْفَانِي
لَمْ تَأْخُذْ طَيْفَهَا مِنْ سُقُوطِكَ .