ملامح طُلَيطلة تنتشر على الجفون / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
............
يَقْضِمُ الأَمْسُ مَا تَبَقَّى مِنْ
أَكْفَانِنَا فِي مَهَبِّ الذِّكْرَى / إِلَيْكِ تَرْكُضُ الأَشْجَارُ
الْمَوْلُودَةُ حَدِيثَاً/ وَفِي خُصلاتِ شَعْرِي تَقْرَأُ حُقُولُ الذُّرَةِ
الْجَرِيدَةَ / الْغَيْمَاتُ تَغْمِسُ رَأْسِي فِي كُوبِ عَصِيرٍ / يَتَرَنَّحُ
فِي يَدِ سَيِّدَةٍ مَخْمُورَةٍ / إِنَّنِي الصَّنَوْبَرُ الْعَتِيقُ /
وَالْمِنْجَلُ الْقَتِيلُ فِي كُلِّ الْبَرَارِي النُّحَاسِيَّةِ / يَتَسَكَّعُ
كَلامُ الْوَحْلِ عَلَى حِيطَانِ السُّوقِ الْمَهْجُورَةِ / ولا يَزَالُ هُرُوبُ
الْكُهُوفِ مِنْ صَدْرِي يَشْغَلُ بَالَ الرُّعُودِ / أَفْرُشُ جِلْدِي عَلَى
عَتَبَةِ بَيْتِي / لِتَفْرَحَ النَّيَازِكُ وَهِيَ تَقْتَحِمُ عُزْلَتِي
الْبَنَفْسَجِيَّةَ / مَرَّت الْبَنَادِقُ عَلَى الغَابَاتِ / يَوْمَ انْتَحَرَتْ
حِجَارَةُ الْمَعَابِدِ / وَالْتَقَى الْعُشَّاقُ الْعَاطِلُونَ عَنِ الْعَمَلِ
تَحْتَ أسوارِ الْمُعْتَقَلِ /
رُشُّوا عَلَيَّ قَلِيلاً مِنَ الأَدْغَالِ
/ لأَتَذَكَّرَ كِتَابَاتِ الْبَرْقِ عَلَى ذَيْلِ السَّمَكَةِ/ الْتَقَمَ
الطِّفْلُ ثَدْيَ الْغَابَةِ / وَمَاتَ كَالْخِزَانَاتِ الزُّجَاجِيَّةِ فِي
مَحَالِّ بَيْعِ الأَسْلِحَةِ / وكانَ الفُقراءُ يَلْعَبُونَ بِجَمَاجِمِ
آبَائِهِم / أَنَا الْعَائِدُ مِنْ إِغْفَاءَةِ الأَبَارِيقِ الْفَخَّارِيَّةِ /
يَا مَنْ يُخَزِّنُ الْمَطَرَ فِي قَلْبِ الْيَتِيمِ / قَلْبِي نَوْرَسُ الْجُوعِ
لَهُ النَّدَى جَنَاحَانِ / يَجْلِسُ الصَّبَاحُ عَلَى كُرْسِيِّهِ فِي
الْمَكْتَبَةِ الْعَامَّةِ / احْتَضِنْ نَفَسِي تَجِدْ مِشْنَقَتِي يَنْصِبُهَا
الصَّدَأُ عَلَى شُرْفَةِ بَيْتِي /
لِكَي أَظَلَّ مُتَذَكِّرَاً الْيَوْمَ
الَّذِي مَثَّلَ فِيهِ النَّبْعُ بِجُثَّتِي / لا بُدَّ أَنْ أَنْسَى تَارِيخَ
مِيلادِي / نَسْرٌ يَضَعُ الْمَجَاعَةَ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ / وَيَدْخُلُ فِي
الْبَيَاتِ الشَّتَوِيِّ / شُنِقَ أَهْلِي فِي مَسَاءٍ رِيفِيٍّ مُنَاسِبٍ
لِتَأَمُّلاتِ الْفَلاسِفَةِ فِي دَفْتَرِ الأَحْزَانِ/ لا أَنفِي إِعْدَامَاتُ
بِطْرِيقٍ / وَلا رُمْحِي مَطْعَمٌ لِلْعَائِلاتِ / الأَسْلاكُ الشَّائِكَةُ /
وَالْمَلابِسُ الدَّاخِلِيَّةُ لِلْجُنُودِ الْمَهْزُومِينَ / وَالْفُقَرَاءُ
الَّذِينَ يَتَسَلَّقُونَ أَجْسَادَ نِسَائِهِمْ بَحْثَاً عَنِ الْخُبْزِ / رَقَبَتِي
هِيَ السُّجُونُ / وَأَزِقَّةُ سَمَرْقَنْدَ / وَفَتَيَاتُ غُروزنِي / أَنْتُنَّ
يَا بَنَاتِ كَشْمِيرَ تَتَذَكَّرْنَ أَطْرَافِي الْمُرْتَعِشَةَ فِي قَاعَاتِ
مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ /
تَنْمُو الْجُدْرَانُ كَالْبَعُوضِ
الشَّمْسِيِّ / فِي تَقَاسِيمِ وَجْهٍ عَائِدٍ مِنْ حَرْبِ الصَّدَى / كَانَ
الْفِطْرُ السَّامُّ يُمَزِّقُ الأَغْشِيَةَ الْمُخَاطِيَّةَ لِلْغُبَارِ /
افْرَحْنَ أَيَّتُهَا السَّيِّدَاتُ الْعَارِيَاتُ في مَرَاكِزِ التَّسوقِ
لأَنَّنِي أَمُوتُ / وَتُجَّارُ الرَّقِيقِ الأَبْيَضِ يُعَلِّقُونَ صَرَخَاتِ
الْفَقِيرَاتِ بِرْوَازَاً لِلأَثْرِيَاءِ الشَّاذِّينَ جِنْسِيَّاً /
وَرَاءَ السَّتَائِرِ وَجَلِيدِ
الأَدْيِرَةِ مَكَانٌ لِلرُّعْبِ / وَجْهٌ أَخْرَسُ مُشْرَبٌ بِانطِفَاءِ
الصَّنَوْبَرِ فِي أَرْحَامِ النَّعَامَاتِ / كُلُّ لَيْلٍ دَمٌ لِصَبَاحٍ يَطْلُعُ
مِنْ يَاسَمِينِ الْمَقَاصِلِ / وَالْكَهَنَةُ يَتَعَثَّرُونَ بِخُيُوطِ
النَّعْنَاعِ الصَّاعِدَةِ / مِنْ شُقُوقِ بَلاطِ الْمَعْبَدِ / وَيَفْتَتِحُونَ
انْتِحَارَهُمْ فِي حُقُولِ عُيُونِهِمُ الْمُشَقَّقَةِ / وَالْبَحَّارَةُ يَنْصِبُونَ
الْقُلُوعَ شَوَاهِدَ لِقُبُورِهِمْ / أَيْنَ حَفَّارُو الْقُبُورِ
الْمُتَرَسِّبَةِ فِي قَاعِ الْبُطُونِ الْخَالِيَةِ ؟ / لا بَشَرَتِي حَقْلُ
ذُرَةٍ يَرْتَدِيهِ جَابِي الضَّرَائِبِ / وَلا إِبْطِي مَزْرَعَةٌ لِتُجَّارِ
الأَسْلِحَةِ / كُلُّكُمْ مَاءٌ لِلْعَاصِفَةِ / اشْرَبُونِي حُفْرَةَ دَمعاتٍ فِي
لَحَظَاتِ عُرْيِ المسَدَّسَاتِ/ الطَّرِيقُ إِلَى انتحاراتي يُشَرِّحُ آذَانَ
الْفَلاحِينَ/ يَا قَمَرَاً مَذْبُوحَاً فِي صَبْرَا وَشَاتِيلا / لا تُصَدِّقْ
كَلامَ الْخَرِيفِ الْعَالِقَ عَلَى سُرَّةِ المتوسِّطِ / لأَنَّ قَلْبِي يُعِيدُ
فَتْحَ الأَنْدَلُسِ /
حَطَّابُونَ نَائِمُونَ عَلَى غُصْنِ
الْفِكْرَةِ / فَتَحْنَا أَقْفَاصَنَا الصَّدْرِيَّةَ لِلْخُيُولِ الطَّالِعَةِ
مِنْ خَشَبِ أَعْمِدَةِ الْكَهْرَبَاءِ / أَتَيْنَا وَفِي مَلامِحِنَا تَقْفِزُ
أسماكٌ / قَطَعَتْ رُؤوسَها وَرْدَةُ الرَّعْدِ / الْمُذَنَّبُ أَقَامَ
مَدِينَتَهُ عَلَى حِبَالِ الْغَسِيلِ/ وَلا غَسِيلٌ عَلَى سُطُوحِنَا
الْمَفْتُوحَةِ لِلْمِرْوَحِيَّاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ / أَنسَانَا الْعَوْسَجُ
الْمُسْتَوْرَدُ كَيْفَ نُنْجِبُ الأَطْفَالَ / وَنَسِينَا طَرِيقَ الْمَقْبَرَةِ
فِي زَوَايَا حُلُوقِنَا /
لَم تُسَجِّل الْبَرَارِي بَيَانَاتِ
جَوَازِ السَّفَرِ لِحِصَانِي/ الَّذِي أَضَاعَ هُوِيَّتَهُ الشَّخْصِيَّةَ فِي
أَحَدِ الْكَوَاكِبِ / فَلْنَسْتَمِعْ إِلَى الْمُحَاضَرَةِ / الَّتِي يُلْقِيهَا
الشَّجَرُ الْمُطَارَدُ فِي كُلِّيةِ الْحُقُوقِ / ولا أَدْرِي لِمَاذَا رَشَّحَ
الْبَحْرُ نَفْسَهُ فِي انْتِخَابَاتِ الإِسْطَبْلِ الذَّهَبِيِّ / لَمْ يَشْطُبِ
الْغُبَارُ أَسْمَاءَ الشُّجَيْرَاتِ مِنْ قَائِمَةِ الْمَطْلُوبِينَ لِلشَّاطِئِ
/ لَسْتُ الرَّمْلَ الْمَائِيَّ حَنْجَرَةَ التُّفَّاحَةِ / إِنَّمَا لَحْمُ
الزُّهُورِ نَيْزَكٌ / اتْبَعْهُ وَلا تَنْسَ أَنْ تَدْفِنَنِي /
أَصْغَيْتُ لِصَوْتِ الْجِدَارِ
الْمَخْلُوطِ بِعَوِيلِ الرِّمَالِ / أَيَّتُهَا الصَّحْرَاءُ الرَّاكِبَةُ عَلَى
ظُهُورِ الْخَيْلِ / لِمَاذَا تَلْبَسِينَ الْوُجُوهَ الْمَنْبُوذَةَ فِي حَيِّنَا
الْمُحَاصَرِ ؟ / اتَّخَذَتْ مَدَائِنُ الرِّعشَةِ مَقَرَّاً لَهَا فِي
بُلْعُومِي/ فارْحَمْنِي يَا ضَوْءَ الْمَنَافِي الْمَنْفِيَّةِ / أَكْوَامُ
النِّفَايَاتِ فِي الشَّارِعِ الْمُعَبَّدِ بِالْجُثَثِ / وَرُؤُوسُ الْعَبِيدِ
الْمَقْطُوعَةُ نَسِيَهَا النَّخَّاسُ فِي السُّوقِ / لا تَلْبَسْنِي إِذَا
احْتَفَلَ الْقَتِيلُ بِأَعْيَادِي / لأَنَّ يَوْمَ اغْتِيَالِي مِيلادِي / زَرَعَ
الْوَلَدُ الَّذِي أُعْدِمَ أَبَوَاهُ نَبْتَةً فِي خَدِّي / وَصُرَاخُ
الطَّبَاشِيرِ يَنْمُو كَرَاتِبِ السَّيَّافِ / وَإِطَارَاتُ سَيَّارَةِ الشَّفَقِ
مُصَفَّحَةٌ ضِدَّ دَمِي / لَكِنَّ الْبَارُودَ رِئَةٌ /
أيَّتها القَاتِلةُ الجميلةُ / القَتيلةُ
الأنيقةُ / فِي الْعَامِ الْمَاضِي أُعْدِمْتُ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ /
كَانَت النِّسَاءُ يَنْتَظِرْنَ الْمَوْلُودَ الأَوَّلَ / وَكُنْتُ أَنْتَظِرُ
الْمَوْتَ الأَوَّلَ / وَلَمْ يَكَدِ الحطبُ يَسْتَلُّ مِنْ أَوْدَاجِي سُيُوفَ
الْحُلْمِ / حَتَّى أَحْسَسْتُ بِالأَبْوَابِ تُغْلَقُ فِي وَجْهِ الْبُحَيْرَةِ /
انْطَلَقَ صَوْتُ الْمُؤَذِّنِ يُفَجِّرُ تَوَارِيخَ الإِبَادَةِ / وَيَكْسِرُ
الظِّلَّ الدَّمَوِيَّ فِي دَهَالِيزِ مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ / كُنْتُ
مَصْلُوبَاً عَلَى الْغَسَقِ / أَنَا الْغَيْمَةُ الْمَصْلُوبَةُ فِي لَيْلَةِ
عُرْسِهَا / أَنَاشِيدِي يَحْمِلُهَا الآخَرُونَ إِلَى زَوْجَاتِهِم / وأَظَلُّ
أُرَدِّدُ الأَذَانَ حَيَّاً وَمَيْتَاً .